سركيس الدويهي زار كربلاء بـ “صليبه” وكتب :هنا الجلجلة الثانية وعرس الحياة في الموت ….

Whatsapp

هنا كربلاء، أرض الكرب والبلاء.
هنا الجلجلة الثّانية وعرس الحياة في الموت.
هنا، صاح الإمام الحسين (عليه السّلام) بأعلى صوته مستغيثًا: أما من ناصر ينصرنا؟ أما من معين يعيننا؟ أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟
هنا، رفع الحسينُ (عليه السّلام) عبدَ الله الرّضيع، مخاطبًا الواقفين دون الفرات: يا أهل الفرات، يا أهل الكوفة، خافوا الله، واسقوا هذا الطّفل. إذا كنت أنا في اعتباركم أستوجب الموت، فما ذنب هذا الطّفل الرّضيع؟
هنا، رقص الحسين (عليه السّلام) رقصة الذّبيح انتصارًا لثورة السّماء.
هنا، استُشهد الحرّ بن زياد الرّياحيّ، وحبيب بن مظاهر الأسديّ، والقاسم بن الحسن، وعليّ الأكبر، وجون بن حوي، ووهب بن عبد الله الكلبيّ، وأبو الفضل العبّاس، وعبد الله الرّضيع…
هنا، أُطلِقَت سهامٌ، وانقضَّت سيوفٌ، ورُشِقَت نبالٌ…
هنا، لا أهمّيّة لقلّة العدد وخذلان النّاصر.
هنا، استباحوا الدّماء الزّكيّة العَطِرة، فغدروا بالأولاد، والرّضّع، والنّساء، والعُجُز، والفتيات، والعُزَّل…
هنا، استقام دين محمّد (صلّى الله عليه وآله) بموت الحسين بن عليّ (عليهما السّلام).
هنا، كانت البداية: بداية العشق، والجنون، والثّورة.
هنا، كانت بداية الثّورة الحسينيّة، ثورة الحقّ على الباطل، والخير على الشّرّ، والإيمان على الكفر…
إنّها أرض الطّفوف، أرض الملاحم، أرض الشّهداء، أرض الله…
إنّها كربلاء، أولى ساحات الجهاد في سبيل الله والحقّ.
إنّها كربلاء، ساحتها العراق ومساحتها الكون.
إنّها كربلاء، كعبة الأحرار ووجهة الأباة حول العالم.
يأتونها بالملايين هاتفين: لبّيك يا حسين. يقصدون الجنّة لا العراق، ويكنسون تراب الجنّة لا تراب كربلاء، ويتعطّرون برائحة الحقّ والشّهادة… والجنّة.
إنّها كربلاء…
كلّ أرض تتمنّى أن تكون كربلاء.
كلّ روضة من رياض الأرض تتمنّى أن تكون مضجعًا للحسين (عليه السّلام).
كلّ نهر يحلم بأن يقدّم شربة ماء للحسين، وأبي الفضل العبّاس، وزينب، وعليّ الأكبر، وعبد الله الرّضيع، والقاسم بن الحسن، وزين العابدين، ورقيّة، وسكينة، ورباب…
كلّ زهرة تشتهي أن تعطّر ضريح سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السّلام).
كلّ مئذنة تتمنّى أن تدعو النّاس إلى الصّلاة في مقام الحسين (عليه السّلام).
كلّ إنسان يشدّه الشّوق والحنين إلى طريق الجنّة، ليخلع نعليه، ويلقي همومه، ويسير “مشّاية” إلى لقاء الحبيب.
وما أجملك من حبيب يا بطل كربلاء! أيّها الحيّ الخالد في ضمائر الشّرفاء، ونفوس الأحرار، وقلوب الأباة.
هؤلاء الشّرفاء الّذين ساروا إلى نصرتك والاستشهاد بين يديك.
هؤلاء الأحرار الّذين لبّوا نداءك في كلّ زمان ومكان.
هؤلاء الأباة الّذين ما تركوك وحيدًا يا حسين.
ها أنت، يا حسين، حاضر في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وفلسطين، تصرخ: أما من ناصر ينصرني؟
وها هي زينب في الشّام مسبيّة، وها هي سكينة في اليمن عطشانة، وها هي رقيّة في العراق يتيمة، وها هي رباب في فلسطين مفجوعة، وها هي ليلى في لبنان ثكلى…
وها هم أنصارك يستبسلون في الدّفاع عنك.
ها هم رجال الله يصرخون في كلّ السّاحات والميادين: لبّيك يا حسين.
وها هم “أشرف النّاس” يسطّرون أروع ملاحم البطولة، والبذل، والتّضحية، والفداء…
وها هم شهداؤنا قد أعاروا الله جماجمهم ومضوا.
وها هم “أحبّائي” ينتظرون وما بدّلوا تبديلًا.
حسبنا زادًا لدنيانا والآخرة قول الإمام عليّ عليه السّلام: “إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه… فمن تركه رغبة عنه، ألبسه الله ثوب الذّلّ…”. وهيهات منّا الذّلّة!
كيف لنا أن نلبس الذّلّ ثوبًا، فنبيع ضمائرنا في سوق النّخاسة الصّهيونيّة بثلاثين من الفضّة؟ وكيف لنا أن نؤثر طاعة اللّئام على طاعة الكرام، فنتخاذل عن نصرة الحقّ طمعًا بالمراكز، والمناصب، والبترودولار؟ وكيف لنا أن نتركك يا حسين، وحيدًا بلا ناصر أو معين في لبنان، واليمن، وسوريا، والعراق، وفلسطين، وفي أيّة بقعة من بقاع الأرض؟
والله، لن نتركك وحيدًا يا حسين.
سنبقى نجاهد ونقاوم حتّى الرّمق الأخير، فكفى بنا ذلًّا أن نعيش مرغمين على مبايعة الظّالمين، ساكتين عن الحقّ، مناصرين لأهل الباطل.
وسنبقى نجاهد ونقاوم، من أجل بلادنا الثّكلى، ومدننا المفجوعة، وأوطاننا المنطوية على الجراح.
وسنبقى نجاهد ونقاوم، من أجل كراماتنا المذبوحة، وحقوقنا المسلوبة.
وسنبقى نجاهد ونقاوم، من أجل عزّتنا، وفخرنا، وحرّيّتنا، وكرامتنا، وطموحاتنا، وأحلامنا…
وسنبقى نقاوم ونجاهد، وكأنّ جبريل يصيح في السّماء: حيَّ على خير العمل، حيَّ على المقا-ومة، حيَّ على الجهاد.

سركيس الشّيخا الدّويهي

Whatsapp