الفتنة في الجبل… من وراء إشعالها ؟

Whatsapp

من عاش منّا مآسي حرب الجبل، بكل ما تركته من آثار سلبية على الوحدة، أستلزم ختم جرحها مساعٍ حثيثة توجّها البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير آنذاك بمصالحة تاريخية بين من باعدت هذه الحرب بينهم، يعرف تمام المعرفة أن أي فتنة من أي نوع كانت، ستكون لها إنعكاسات خطيرة على مساحة الوطن، لما لهذه المنطقة من خصوصية لا يعرفها إلاّ إبن الجبل نفسه.



بالأمس، وقبله، حصلت بعض الحوادث المتفرقة، وأدّت إلى ما أدّت إليه من نتائج محزنة، كان من السهل تفاديها بمجرد خضوع الجميع لمنطق القانون وعدم إستقواء البعض على البعض الآخر وكأن لا قانون في البلد ولا مؤسسات شرعية، وكأن كل واحد "فاتح" على حسابه، وهو منطق لا يزال يتحكّم بعلاقة اللبنانيين بين بعضهم البعض.



ما حصل بالأمس خطير، بل خطير جدًا، وهو مؤشر لما ستكون عليه الأوضاع في الأيام المقبلة، خصوصًا إذا أستمرت المواقف على تصّلبها، التي برهنت التجارب أنها لن تجرّ على البلاد سوى الويلات، وكأن ما فيه من مشاكل لا تكفيه، حتى يأتي البعض ليصّب الزيت على النار ولتأجيج فتنة، عمل الجميع طوال فترة من الزمن على تحييد لبنان عن الصراعات الدائرة خلف حدوده وعدم الإنجرار في "اللعبة الدموية"، التي خبرها اللبنانيون، وهم يتذّكرونها ويتمنون ألاّ تعود.



ونسأل مع السائلين، وهم كثر، من يقف وراء إيقاظ مثل هكذا فتن أعتقدنا لوهلة أنها أصبحت من الماضي ومجرد ذكريات أليمة تركت بصماتها على أعتاب كل بيت فقد عزيزًا؟



الأمور السياسية المعقدّة، ومن بين نتائجها عدم التوافق على تأليف حكومة يقال أنها حكومة وحدة وطنية، لا يستوجب الهروب منها إلى الامام باللجوء إلى فتنة يعرف الجميع كيف تبدأ ولكن ما لا يعرفونه هو أن نيرانها قد تمتدّ إلى أبعد من حدود قرية في وسط منطقة الجبل، وهنا بيت القصيد، اوبخاصة أن من يحاول القيام بها يسعى من خلالها تغطية السموات بالقبوات، وهو يصرّ على جرّ البلاد إلى المكان الخطأ والمميت في آن، من دون أن يدرك، أو ربما يدرك، أن ما يقوم به قد يرتدّ عليه سلبًا، في ظل نقمة شعبية لم يعد إنطلاق شرارتها بالأمر البعيد، وقد يكون ما تشهده ساحة "
الشانزليزيه" في باريس الشرارة المعدية، التي ستمدد إلى كل مكان، حيث بات الجوع كافرًا، من دون أن يعني ذلك أن الأرضية اللبنانية مهيأة لمثل هكذا تحركات، وخير دليل إلى ذلك الإحباط الذي أصيب به الحراك المدني.



نصيحة الجميع، ومن بينهم الحكماء، الذين يرون عادة أبعد من أنوف عامة الناس، إلى الجميع بترك العدل يأخذ مجراه الطبيعي، والاّ تحمّل المؤسسات الأمنية، التي تسعى إلى الحفاظ على الإستقرار والسلم الأهلي ما لا تتحمّل وزره، والاّ تدفع أثمان أخطاء الآخرين، أيّا كانوا، خشية أن تفقد هيبتها ولا يعود لوجودها الفاعلية المطلوبة لضرب كل من تسّول له نفسه العبث بأمن الناس والتعدي عليهم وعلى كراماتهم.



أتركوا الفتنة نائمة ولا توقظوها من سباتها العميق ولا تعيدوا عقارب الساعة إلى حيث توقفت الأيام السوداء.


 

Whatsapp

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*