من عالم الصيدلة الى التأليف . القاصة السورية روعة سنبل : أبي ورطني بالكتابة . ومعظم قصصي كتبتها على طاولة المطبخ

Whatsapp

خاص صور برس – زينب طالب 

هي أم وربة منزل، تمارس الصيدلة ولا تنكفئ عن الكتابة القصصية والمسرحية. تميزت قصصها بالإحساس المرهف وإرتبط اسمها بالجوائز. هي شخصية هادئة لا تهدأ، تحدثها فيخال إليك أنها صديقة قديمة لشدة لطفها وتواضعها ورقيها. تحاورها فيلفتك حجم نشاطها و إنجازاتها وثقافتها الواسعة. هي القاصّة السورية روعة سنبل، التي تتحدى الظروف -حتى لو كانت “كورونا”- بالكتابة”.

عن بدايتها تقول روعة بحماس لا تخفيه رقتها في الكلام “كنت طفلة شغوفة بالحكايات أبحث عنها في كل مكان، لم أكن أتلقى الحكايات التي أستمع لها أو أقرؤها بشكل  حيادي بل كانت تبقى حية في رأسي، أستعيدها وأزج بشخصياتها في حكايات مختلفة أختلقها لها، وأكتبها، وربما كانت البداية أيضاً من مواضيع الإنشاء التي كنتُ أكتبها وأنا في المدرسة، وكانت المعلمة تعتبرها مميزة، فتمسك يدي وتطوف بي على الصفوف لأقرأها أمام الجميع طلاباً ومعلمات”. وتتابع بشغف مستذكرة دور والدها الكاتب أحمد سنبل بتوجيه موهبتها بالقول ” القراءة في منزلنا طقس يومي، لعائلتي دور كبير في تشجيع موهبتي وتوجيهها، خاصة والدي ، فهو كاتب يبرع تحديداً في كتابة القصة القصيرة”.

منذ صغرها تأثرت روعة بالأدب الكلاسيكي وبكتّاب أطلقت عليهم مسمى “آباء القصة القصيرة في العالم العربي” بامتنان تذكر  كل من علّمها حرفاً في عالم الكتابة. فتقول “بالنسبة لي كان يوسف إدريس مدرسة، قرأت مجموعاته أكثر من مرة بوعي وانتباه، أما معلمي الأهم والذي تأثرت بتجربته كثيراً فهو القاص السوري إبراهيم صموئيل أطال الله عمره، تعلمت من قصصه وطريقة سرده الكثير”. ثم تضيف يإسهاب “كلاسيكيات الأدب  كنز وتراث، علينا ككتّاب أن نبدأ من هناك، نقرأها ونتعرف إليها، لكن يجب ألا نبقى عالقين فيها، فلكل زمان متطلباته وخصوصيته”.

على الرغم من شغفها بالكتابة منذ صغرها  إلاّ أنها درست  الصيدلة والكيمياء الصيدلية في جامعة دمشق، وتخرجت منها عام 2003 بتقدير” ممتاز”.  عشقت تخصصها ووجدت أنّ المهنة شيء والموهبة شيء آخر وتوضح هنا أنّ “امتلاك المرء لموهبة أدبية لا يحتّم عليه إختيار دراسة ما يدعم موهبته أكاديمياً،  أنا ككاتبة لا تعني دراستي للأدب العربي مثلاً أنني بالضرورة سأمتلك أدوات أفضل، أو سأكتب باحترافية أكبر  بل إن الدراسة الأكاديمية المتخصصة  قد تشوش الموهبة أحياناً أو تقولبها، كما أنّ الأدوات والاحترافية يمكن الوصول إليهما بطرق أخرى، مثل المواظِبة الواعية على القراءة، عندما أريد أن أصبح كاتباً فأنا أقرأ بوعي، أنتبه لخيارات الكاتب، للغة التي استخدمها، للتقنيات التي لجأ إليها، لطريقة السرد التي اختارها، هذه الأمور تؤدي إلى تراكم خبرات، والكاتب الحقيقي يمكنه أن يوظف كل خبراته العلمية وكذلك الحياتية كي تخدم موهبته”.

تبتسم وهي تحاول تذكر واحدة من قصصها ” بالفعل، استفدت من تخصصي العلمي في بعض كتاباتي، فعلت هذا حتى دون أن أقصد، فهذا التخصص هو جزء من خلفيتي المعرفية التي أكتب على ضوئها”.

وبالرغم من انها مارست مهنتها بمتعة كبيرة، إلاّ أنّ حبّ الكتابة بقي يراودها وعاد يطرق مخيلتها بقوة خصوصاً بعد أهوال الحرب السورية والمآسي الإنسانية. فأصدرت أولى مجموعاتها القصصية عام 2017 بعنوان “صياد الألسنة” عن دائرة الثقافة في الشارقة، وبعدها بعامين كان نتاجها الثاني “زوجة تنين أخضر” الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون في عمان. وبعد ذلك تفرغت للكتابة المسرحية  وأظهرت فيها براعة لافتة. وتوضح هذا المسار الأدبي فتقول

”  أكتب في القصة القصيرة وأدب الطفل والمسرح، نُشر لي حتى الآن مجموعتان قصصيتان، ونص مسرحي ضمن كتاب مشترك، وكتاب حمل عنوان (الديكاميرون 2020 نحكي لننجو) أنجزته بالتعاون مع الناقدة السورية فدوى العبود، جربت كتابة روايات لليافعين، ولم أنشر أي من هذه التجارب، أنا قاصة بالمقام الأول، حين صدرت عام 2019 مجموعتي الثانية (زوجة تنين أخضر وحكايات ملونة أخرى) ضمت 18 قصة، كان هذا عددا كبيرا بالنسبة لي، وكنت بحاجة لاستراحة، وكانت هذه الاستراحة في الكتابة المسرحية، سحبتني الكتابة للمسرح وأحببتها، لكل من هذين الفنين شروط خاصة، لكنني أكتبهما بالشغف نفسه، الكتابة للمسرح بالنسبة لي مغامرة ممتعة أخوضها بين الوقت والآخر”.

الاّ أنّ سبباً آخر دفع روعة للكتابة تحديداً لفئة الصغار بجدية ممزوجة بالفخر  تقول روعة “الكتابة للطفل أمارسها من أجل طفلتيّ، كي أسحبهما من أمام شاشات الهواتف الذكية، وأورطهما معي، أقرأ لهما ما أكتبه، وأستمع جيدا لملاحظاتهما”.

وهنا سألناها كيف تمكنت من التوفيق بين مهامها كأم وموظفة وقاصّة، اعتدلت في جلستها وضحكت برقة وهي تحاول أن تستذكر هيئتها خلال زحام المهمات اليومية “المسؤوليات كبيرة بالطبع لدرجة أن يصبح أحياناً العثور على فسحة من الوقت ومساحة لممارسة الكتابة مهمة شبه مستحيلة، تكيفت مع هذه الظروف، حتى أنني اعتدت الكتابة تحت الضغط، أضحك دوماً عندما أُسأل عن طقوس وأجواء الكتابة، حين تكونين أماً وربة منزل فإن الطقوس تصبح رفاهية، أحرص على تقييد الفكرة حين تخطر لي، أكتبها على قصاصة ورق أثبتها على الثلاجة، أو أسجلها صوتيا على هاتفي، وحين تنضج في رأسي أكتبها، أكتب غالبا على طاولة المطبخ، خلفي طنجرة تغلي، وغسالة تهدر، باختصار حين تكون الكتابة هاجساً، فأنت تتنفسين بها، ولهذا لن تعجزي على العثور على الوقت”.

تبرع روعة بإدارة وقتها وتحويل كل فرصة ممكنة الى إنجاز وهذا كان حالها خلال فترة الحجز المنزلي بفعل” فيروس كورونا” حيث   اطلقت فكرة على الفيسبوك لاقت استحسانًا واسعًا وسرعان ما حولتها الى كتاب الكتروني بعنوان “الديكاميرون 2020″ وعن هذه التجربة تقول ” كانت مرحلة الحجر المنزلي مثمرة بالنسبة لي، فرصة لالتقاط الأنفاس، والنظر لما حولي بطريقة جديدة، قرأت كثيراً، وأطلقت على الفيسبوك مشروعا حمل عنوان الديكاميرون2020، كان شعار هذا المشروع: نحكي لننجو، نستضيف كاتباً يطرح ثيمة ما، ونجمع عشر قصص قصيرة تتناول هذه الثيمة، في محاولة لاستحضار روح كتاب الديكاميرون الذي كتبه جيوفاني بوكاتشيو الإيطالي في زمن الطاعون في أوربا، لاقى المشروع صدى ممتازا، استجاب له عدد كبير من الكتاب العرب من مختلف الأجيال، تشاركنا خمسين قصة على مدى عدة أشهر، وفي النهاية جمعنا القصص في كتاب الكتروني متاح لمحبي القصة القصيرة مجاناً”.

تحويل الفكرة الى قصة فن تجيده روعة بإمتياز برأيها  “أن أي فكرة مهما كانت عادية ويومية يمكن أن نصنع منها نصا جميلا، يتعلق هذا بطريقة الاشتغال على هذه الفكرة، أرتكز على معطيات الواقع، لكنني مغرمة بمنح هذه المعطيات إمكانيات أكبر عن طريق الخيال، لقصصي جذور راسخة في الواقع، لكن لها أيضاً أجنحة تؤهلها لتنطلق بعيدا نحو عوالم أرحب، هذه الموازنة بين الواقع والخيال حرجة وليست سهلة، لكنني أعتبرها لعبة أمارسها باستمتاع وشغف”  وتتابع بسعادة “أكتب ما أقتنع به أنا، وبطريقتي أنا، والأهم أنني أحرص دوماً على كتابة أشياء خارجة من روحي فعلاً”

ربما تعذّر على القاصة السورية مؤخرًا تقدمة دواء  ينقذ الناس من الوباء الخبيث، لكنها لم تيأس إنما عادت إليهم بوصفة أدبية مجرّبة لتكون الحكاية وسيلة نجاتهم . روعة التي تكتب بخبرة وبراعة وتقنيات أدبية وإحساس مرهف تبحث عن خدمة مجتمعها بما تملك من أدوات . ومن خلال موقع صور برس توجه الكاتبة رسالة للشباب المسكونين بهاجس الكتابة وتختصرها بكلمات ثلاث: عيشوا، اقرؤوا، ثم اكتبوا. ثم تتدارك فتضيف:” لكن بوعي وانتباه” . 

Whatsapp