قد كُنت يا جدي في الأرض مؤنساً واليوم يؤنسك الرحمن مولاك.عِشتَ كريماً،صادقاً ومُخلصاً،طيّب النفس،مُثابر لم ترتضِ لُقمةً إلاّ بيُمناك وبعرق جبينك.
كُنت متسامحاً،راضياً،صابراً،قنوعاً رغم الظروف القاسية التي واجهتها في مسيرة حياتك فجاهدت دون كللٍ أو ملل.
جدي،أيُّها الأحبّاء هو ذلك الرجل الذي قدّم للجميع المثال الرائع للإنسان المؤمن الملتزم بمبادئه الدينية.
هو ذلك الجد الذي تأنس روحي بمجلسه ويُصغي قلبي قبل عقلي لقصصه التي يرويها فكُلها كانت عن الأنبياء والرُسل.
باللهِ عليكَ يا دفّان أخبرني كيف هيّلتَ التراب على وجنتيه؟!كيف تركته وحيداً لطالما آنس أهل القبور بذِكره الجليّ!!
كيف أغلقتَ قبره فهذا من زرع قلبه وأودعه حَبٌّ حصيد!!
آآهٍ على لوعةِ فراقك يا جدي..
ما أقسى هذه الكلمة وما أشد حرارتها..
آآهٍ من يومٍ إحتضَنتكَ فيهِ حبّات التُراب التي عشقتها وعِشتَ معها عقوداً من الزمن..
آآهٍ من يومٍ أغمضت فيه عيناك الزرقاوتين اللامعتين..
حين أكتُب عنك يا جدي الحبيب وأنا بعيدةٌ ولم أحضر تشييعك تعتريني آهات لا حصر لها فأحاول أن أقاوم تلك المشاعر الأليمة التي تواجهني وتمنع كلماتي من التدفق لأكتب عن لحظة طالما كنتُ أخشاها،إنها لحظات فراقك..
تُسابق عبراتي كلماتي يا جدي فأكتب وطيفُكَ حولي،وحديثك يؤنسني،يُرافقني..
كم سأفتقد دعواتك تلك التي كانت تُحيطني وتُطمئنني برعاية الله لي!
فما حادثتك أُوصيك بالدعاء إلا وأنت تسبقني لتُخبرني أنك لا تتوقف عن الدعاء لي خاصةً قبل عودتي إلى الغربة..
كان نقيّاً بكُل ما تعنيه هذه الكلمة ورجُلاً مؤمناً فاضلاً،
كان جدي وسيكون مِثالاً يُحتذى به للإنسان المؤمن الخلوق فهو الذي قدّم في حياته اليومية صورة حقيقية لكيفية المعاملة الحسنة والسيرة العطرة بين الناس.
كان مجاهداً ولا يتعب من العمل الطيب والجهد الدؤوب،هو ذاك الرجل الذي أحبَّ دون مُقابل وأعطى دون أن يطلب من الغير كلمة شكر.
سيبقى ذِكرُك بين الناس قائماً وستبقى نصائحك شموعاً تُضيء لي دروب حياتي وستظل كتاباً مفتوحاً ومرجعاً يقتبس منه الناس ما يُنير لهم دروبهم.
طوبى لأيدٍ حملت نعشك العَطِر..
طوبى لقبرٍ ضمٔ جسدكَ الطاهر..
طوبى لكفنٍ توسّد جسدك..
طوبى لتُرابٍ إحتضنَ ثراك..
اللهم إن جدّي كان لِكتابك تالِياً،فشفّع فيه القرآن،وإرحمهُ من النيران،وإجعلهُ يرتقي في الجنّةِ إلى آخر آية قرأها أو سمِعها وآخر حرفٍ تلاه??
