“أنا هيك”: نيشان أيضاً يتعرّى.. من ماضيه

ما الذي يجعل نيشان، وهو صاحب التجربة في التقديم والحوار التلفزيوني الراقي، أن ينخفض إلى هذا الدرك بإنطلاقته وإطلالته الأولى في برنامجه الاجتماعي عبر شاشة "الجديد"، ليخرج علينا بحلقة بهذا المستوى من الابتذال؟! هل هرع إلى أضواء استديو البرنامج الجديد "أنا هيك" خوفاً من انطفاء نجمه؟ أم أنه يظنّ أن استعادته للمجد والشهرة تتطلب الدوس على ماضيه واللهث خلف حُمّى "الرايتينغ"؟ وما الذي يستأهل ركوبه الموجة الهابطة التي أدّت به إلى هذا السقوط المدوّي؟



هو غيضٌ من فيض أسئلة كثيرة تُلّح على البال خلال متابعة الحلقة الأولى من البرنامج الاجتماعي الحواري، بحسب تعريف نيشان له، والتي أمعنت دقائق عرضه في تشويه ماضي نيشان وأعلنت انسلاخه عن تجربته التي لا يختلف اثنان حول مدى تميّزها ونوعيتها ودفعت به نحو مقام نجوم الاعلام الأوائل في البرامج الحوارية، ليس في لبنان فحسب بل على اتساع العالم العربي.



نيشان استبق بدء عرض برنامجه بتصريحات أوضح فيها أن "أنا هيك" سيتناول قضايا وظواهر اجتماعية من قلب المجتمع، يتخللها استضافة أشخاص مختلفين بهدف تعبير كل منهم عن ذاته ووجهة نظره، سواء تقبل المجتمع آراءهم أم رفضها، واعداً أن يكون حواره شاملاً وناقلاً لكل التساؤلات والآراء التي قد تخطر في بال المشاهد العادي، وبأنه لن يلعب دور محامي الشيطان، ولن يكون حكماً بل مجرّد محاور محايد.



تمثّلت الانتكاسة في الحلقة الأولى، شكلاً ومضموناً، بل في كل عناصرها تقريباً. فالحلقة التي وعد نيشان أنها ستعالج ظاهرة التعرّي في لبنان، والتي كان من المفترض أن تستضيف أشخاصاً يعبرون عنها،  تمحورت حول شخصٍ واحد، هو الشاب إيلي الزير، الذي قدّمه على أنه راقص تعرٍّ يتحدى قيود المجتمع ونظرة الناس ليمارس هوايته التي احترفها، بعدما عرّف عن نفسه بالقول "أنا شخص جريء بحياتي وعملت شي بيعبّر عني"، وعبّر عن إدراكه بأنه يستفز شريحة كبيرة من المجتمع والناس، الذين صنّفهم في خانة "مش المهيئين يشوفوا هيك شي".



حرية إيلي وهوايته وحرفته وآراؤه ليست مجال نقاشنا وبحثنا، فهو القيّم على أسلوب حياته واختيار طريقة عيشه. ما يعنينا هنا، هل يمثّل هذا الشخص ظاهرة تستحق معالجتها وإلقاء الضوء عليها وإفراد حلقة كاملة لها؟ وهل يهمنا معرفة تفاصيل عمله الاباحي بدقة؟ وما هي الإضافة التي قدّمها ظهوره وتقديمه للمشاهد؟ وماذا يضيف تعرّيه وحركاته السوقية؟ وفي أي إطار يمكن تصنيفها، خصوصاً بعد اعترافه بأنه كلّ ما ارتفع السعر المعروض عليه، كلما زاد مجونه، وصولاً إلى تعرّيه الكامل؟!



أزمة فوق أزمة وعلّة تتناسل وتُستنسخ من علّة أخرى. ولعلّ السبب في ما نشاهد هو العقم الفكري، الذي بدا عاجزاً عن استيلاد أي موضوعٍ من زاوية جديدة. فهل أصبح الركون إلى فكرة المحتوى الجنسي، ضمانة لجذب المشاهدين، ما يجعل القنوات التلفزيونية ومعدي البرامج غير مستعدين لبذل أي عناء؟ لعل ذلك ما يُفسّر تشابه الضيوف والمحتوى في الحلقة الأولى من "أنا هيك"، ويزداد الطين بلّة مع الغوص في التحليل في سمة البرنامج وماهيته. فهل نحن أمام صيغة دعائية ترويجية تهدف إلى شهرة الضيف وزيادة الطلب عليه وتوسيع سوق عمله؟ أم أمام استغلال للضيف واعتصار لكرامته في مقابل زيادة الحماسة وارتفاع منسوب الاثارة ونسبة المشاهدة؟



لكن أخطر ما في الأمر هو أننا، في حين ننتظر من إعلاميين مثل نيشان، برامج ترتقي بمستواها إلى مصاف التجديد المصحوب بالقيمة، نرى البرامج الهابطة تشدّهم إلى وحلها. ورغم الجهد الذي بذله نيشان للارتقاء بمستوى النقاش، من خلال تركيزه على نقاط ذات بُعد نفسي وصبغة فلسفية، إلا أنه كان جلياً أن الموضوع المطروح لا يحتمل التأويل واختلاف التفسير. فلا "الظاهرة" ظاهرة ولا "القضية" قضية، ولا يرقى الموضوع لظهوره وكأنه مِجسّاً يصلح لفحص المجتمع، سواء بقياس مدى الرفض أو القبول. وهو ما أدركه نيشان من خلال تأكيده أكثر من مرة على علمه بأن معظم المشاهدين لا بدّ أنهم استهجنوا الفكرة والموضوع، حتى ضمن الجمهور الحاضر في الاستديو، الذي عبرت غالبيته عن ازدرائها لما يقوم به الضيف، مبدين عدم تقبّلهم له، وهو ما ظهر من جولة الأسئلة التي طرحها نيشان عليهم. كما بدا أن الحضور، ورغم إبدائهم لرأيهم، لم يكونوا مؤهلين لطرح الأسئلة والأجوبة المناسبة على المقدم وكذلك الضيف، فعجزوا جميعاً عن الرد عليه بما يتلاءم وكيفية طرحه لأفكاره. فبدا تفوّق الضيف على الحضور، الذي برزت قدرته على مباغتتهم أكثر من مرة بسهولة تامة.



ليست مصادفة أنّ تلفزيون "الجديد" قرر عرض البرنامج مساء الأربعاء، وذلك في توقيت عرض برنامج "أحمر بالخط العريض" في "ال بي سي"، والذي دأب على تقديمه الإعلامي مالك مكتبي منذ سنوات. وهو ما يعكس رغبة "الجديد" في شدّ جمهور "إل بي سي" إليها، خصوصاً أن فكرتَي البرنامجين متشابهتان. كما انعكس هذا التشابه في أداء نيشان نفسه الذي ظهر في أكثر من محور وكأنه يحاول تقمّص شخصية مكتبي، بحركات جسده وإيماءاته، ليمتّد التشابه إلى تصميم الاستديو وطريقة توزيع الضيوف والمكان المخصص للجمهور.



إلا أن المنافسة لن تكون متكافئة على الإطلاق، إذ تميل الكفة لصالح مكتبي الذي صقلته السنوات من خلال مواظبته على تطوير أسلوبه والارتقاء ببرنامجه ليحجز له مكانة خاصة وهوية وبصمة متفردة، يكمن تمييزها في البُعد من الاثارة الرخيصة والابتذال والاسفاف، الأمر الذي يبدو أن "الجديد" لا يمانع تبنّيه، بل يبدي الحماسة بالجنوح نحوه.


 

 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*