الدولار يركض … واللبنانيون يركضون وراءه!

Whatsapp

كيفما توجهت وأينما ذهبت وأنّ حللت الحديث واحد، وهو يتصدر الإجتماعات والدردشات والوشوشات والهواجس.



لا حديث هذه الأيام يعلو على حديث الدولار، الذي كان يطلق عليه وعلى أخواته العملة الصعبة، فأصبح يُطلق عليه اليوم العملة النادرة، حيث أصبح التفتيش عليه يتمّ بالسراج والفتيلة، ولا همّ لدى اللبنانيين هذه الأيام سوى معرفة إذا ما كانت العملة الخضراء متوافرة في السوق ولدى المصارف أو الصيارفة، الذين باتوا يتحكّمون بأسعارها، طلوعًا ونزولًا، وهو همّ يكاد يكون القاسم المشترك بين جميع اللبنانيين، العامة منهم والتجار، صغيرهم وكبيرهم.

وعلى رغم تطمينات المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامه الذي حسم النقاش، وقال إن الدولار متوافر في المصارف اللبنانية، متحدثا عن تضخيم إعلامي في هذا السياق من دون أن ينفي وجود أزمة، فإن الناس باتوا يركضون في ماراتون يوناني والدولار يركض أمامهم من دون معرفة متى الوصول إلى خطّ النهاية.



المشكلة ليست بنت ساعتها، بل هي نتيجة غياب الرؤية الواضحة لدى المسؤولين عن المالية العامة، خصوصًا أن أزمة الثمانينات من القرن الماضي لا تزال حاضرة في أذهان الذين عايشوها في حينه، حيث وصل سعر صرف الدولار في الأسواق اللبنانية إلى ما يقارب الثلاثة ألف ليرة لبنانية، إلى أن إستقّر ولفترة طويلة على سعر 1500 ليرة، وذلك بفضل سياسة حكيمة لدى مصرف لبنان، إلاّ أن إختلال التوازن بين الحركتين الداخلية والخارجية جعل الأمور تفلت من أيدي الذين صمدوا في وجه هذا الإختلال، إذ أصبحت الدولارات التي تخرج من لبنان أكثر بكثير من الدولارات التي تأتيه من الخارج، وذلك لأسباب عدة، ومن بينها:



أولًا، تراجع تحويلات اللبنانيين المغتربين من الخارج إلى الداخل بفعل الأزمات المالية العالمية، إذ سجلت هذه الحركة تراجعًا سنويًا يُقدّر بنحو ملياري دولار، حيث كانت هذه التحويلات تبلغ في السنوات الماضية نحو تسعة مليارات لتتراجع إلى ما يقارب السبعة مليارات، وهذا الأمر أثرّ سلبًا على المالية العامة في البلد.



ثانيًا، بلغ حجم ما يستورده لبنان من الخارج أضعافًا مضاعفة مما يصدّره، بحيث إختّل هذا التوازن تراكميًا، سنة بعد سنة، من دون أن تتمكّن الحكومة الحالية أو تلك التي سبقتها من إيجاد نوع من التوازن بين المستورد والمصَّدر.



ثالثًا، إن العمال الأجانب يقبضون رواتبهم بالدولار ويحّولون مدخراتهم إلى الخارج، التي تكاد تكون كاملة، إذ أن ما يصرفونه في الداخل لا تتجاوز نسبته العشرة في المئة.



رابعًا، على رغم الأرقام التي تتحدث عنها وزارة السياحة فإن حركة السياح لم تكن في المستوى المطلوب في السنوات الماضية، إذ لم تبلغ حصيلة ما يصرفه السياح في الاسواق اللبنانية الحجم الذي يمكنه أن يُحدث الفرق الكبير.



خامسًا، سُجلت السياحة من الداخل إلى الخارج نسبة مرتفعة مع تزايد مغريات العروض الخارجية، وبالأخص في تركيا ودول شرق أوروبا.



كل هذه العوامل وغيرها الكثير جعل من الدولار في الاسواق اللبنانية عملة نادرة، فضلًا عن غياب السياسة الواضحة بين المشتريات الداخلية والخارجية، إذ يضطرّ أصحاب المصالح المستقلة، الذين يستوفون ثمن بضائعهم بالليرة اللبنانية، الخضوع لمزاجية الصيارفة عند التحويل من الليرة إلى الدولار، وهذا ما دفع أصحاب صهاريج البنزين والمازوت إلى رفع الصوت وإعلان الإضراب التحذيري، بإعتبار أن أرباحهم المشروعة تذهب فرق عملة.



فهذه القضية شغلت اللبنانيين في الأيام الأخيرة فكان غياب العملة الصعبة من الأسواق الداخلية وتجاهل الجهات المعنية التعامل مع هذه القضية بخطط لمعالجتها هي السمة الأبرز على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن نصف الطلب على الدولار يتم في الأسواق لتغطية فواتير داخلية لا يتمّ تحويلها للخارج تتقدّمها فواتير الهاتف الخلوي التي تعود للدولة اللبنانية، وكأن الدولة تضارب على عملتها وتخلق طلباً معاكساً لها، من دون أن يحرك أحد ساكناً، ومثل الخلوي كثير من الفواتير والمعاملات تتم بالدولار بلا سبب، إذ يكفي أن تصدر الفواتير بالليرة اللبنانية بما فيها أقساط السيارات والشقق السكنية والفنادق والمطاعم حتى يتراجع الطلب على الدولار إلى النصف.

فكلام الحاكم يطمئن من جهة ولكنه يترك الباب مشرعًا أمام الكثير من الأسئلة والهواجس، التي ستظهر بحدّة في المستقبل ما لم توضع سياسة مالية واضحة لكيفية التعامل مع هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة.

lebanon24

Whatsapp

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*