تأثيرات كورونا بعيدة المدى على الأطفال : اضطرابات ملحوظة في الاكتساب والتركيز !

Whatsapp

زينب نعمة – خاص صور برس

يتفّق كثيرون أنّ فيروس كورونا أثّر بشكل كبير جدا ً على كلّ نواحي الحياة وعلى الإنسان على الصعيدين الجسدي والنقسي ،وتحديدا ً على الأطفال الذين تراجعت مهاراتهم الإجتماعية والفكرية والجسدية والإدراكية . دراسات كثيرة أجريت على مئات الأطفال حول العالم ، أكّدت بشكل واضح هذا الأمر ، وتقارير مثبتة من قبل جهات تربوية أهمها اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ).

نسيان وصعوبة تركيز لدى الأطفال

كثيرة هي المؤشرات التي تدلّ على هذا التراجع . تصف لنا أم الطفلة روى كيف أنّ حالة جديدة طرأت على  ابنتها بعد إصابتها بفيروس كورونا. بدأت الفتاة التي تبلغ من العمر 7 سنوات تشعر بالنسيان لأمور كانت تحفظها منذ زمن كالأحرف الأبجدية والأشكال وغيرها من الأمور إضافة إلى شعورها بالإنهاك الذهني السريع بعد دقائق معدودة من بدأ الدراسة .

تصف والدة الطفلة الوضع بالغريب والجديد  ، نظراً لأنّ ابنتها كانت متقدّة الذكاء وسريعة البديهة و”شاطرة ” في كافّة المواد التعليمية في الفترة التي سبقت الجائحة ، ما أثار استغراب أهلها ، وأفقدها بعض الثقة بنفسها رافقها الشعور بالذنب والحزن وعدم الرضا عن الذات.

وعلى الصعيد الجسدي ، توضح أم الطفلة أنّ ابنتها تتعب بسرعة بعد بذل أي مجهود جسدي مهما كان بسيطا ً ، وتحتاج إلى فترات استراحة في حال ممارستها لأي نشاط بدني مهما كان سهلا ً وبسيطا ً ، ما خلق لديها حالة من خيبة الأمل .

لا تقتصر هذه الحالة على الأطفال الذين أصيبوا بالوباء . الموضوع تعدّاه ليصل إلى عدد كبير منهم ويتحوّل إلى ظاهرة شبه عامة لدى الفئات العمرية الصغيرة (9 سنوات وأقل).

بحسب المختصّة في العلاج النفسي الحركي ، المدربة على مهارات الحياة  ربى جمّول ، فإنّ  حالة عامّة من التعثّر النفسي والتربوي واجهت هذا الجيل الذي عانى من تداعيات جائحة كورونا سواء بالإصابة المباشرة بالفيروس ، أو على صعيد الحالة العامة التي شهدها المجتمع اللبناني في السنتين الماضيتين.

أكّدت ربى أنّ الحالات التي تصادفها تتأرجح ما بين الهمود النفسي والاكتئاب في بعض الأحيان ، وبين ضعف وتراجع التركيز بشكل ملحوظ وواضح عند الأطفال .

تفنّد جمّول أسباب الظاهرة وهي متعددة وكثيرة ، أبرزها كثرة استخدام وسائل التواصل التي فُرضت على الأطفال بسبب الدراسة عن بُعد ، حيث استخدمت بكثرة الأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب (اللاب توب أو ديسك توب)، الهواتف المحمولة ، الألواح الإلكترونية (إيباد،تابلت) وغيرها من التقنيات الحديثة . تؤكّد الدراسات الحديثة أنّ هذه الوسائل التكنولوجية تؤثّر على دماغ الأطفال إذا تمّ استخدامها بشكل مفرط وغير مدروس، وذلك لأنّ الطفل هو في مرحلة نمو مستمرة على الصعيد الجسدي والإدراكي ، وعلى صعيد وظائف الجسم المتنوّعة ، لذلك فأيّ عامل قد يؤثر على رحلة النمو التي يمرّ بها الطفل ليصبح إنساناً راشداً مسؤولاً مكتمل البنية الجسدية والنفسية والفكرية والعاطفية .

هذه التأثيرات المرافقة لتغيّر نمط الحياة أثناء الجائحة ، أدّى إلى نشوء قلق لدى الأهل ما زاد الإقبال على التشخيصات النفسيّة والذهنية والتربوية ، للتأكّد من عدم وجود مشكلة لدى الأطفال ، خاصّة وأنّ غياب دور المعلّم المباشر ومحدودية دوره (في تلك الفترة) ، أدّى إلى أن يلجأ الوالدين إلى الإستشاريين التربويين والنفسيين ، وأخصائي النطق لبعض الحالات ، وأخصائي العلاج الإنشغالي (حسي – حركي) ، فضلا ُ عن اختبارات الذكاء ( أي كيو

) التي تمّ إخضاع الطفل لها في بعض الحالات الخاصّة .I Q

زيادة حالات التراجع الذهني

في السياق نفسه ، تقول السيدة يمنى ، وهي والدة طفل عمره 5 سنوات ، أنّ الفترة الماضية هي بمثابة “كورس علاجي” لابنها الذي تبيّن بعد إجراء تشخيص نفسي تربوي ذهني أنّه متراجع عن أبناء جيله  على صعيد القدرات الذهنية والفكرية والاكتساب الأكاديمي.

ظهر هذا التراجع على صعيد الإكتساب اللغوي لدى الطفل الذي شكا من ضعف قدرته على حفظ الأرقام والحروف والألوان ، أو حتى إجراء عمليات ذهنية بسيطة نسبيا ً.

هذا التعثّر طال عدد كبير من الأطفال لاسيما في مرحلة الطفولة المبكرة ، والتي أثّرت جائحة كورونا بشكل كبير في تفاقم المشكلات الذهنية والتعليمية لدى الطلاب والناشئة .

اليوم وبعد عودة الحياة إلى سياقها الطبيعي الذي كان سائدا ً قبل الجائحة ، وعودة التعليم الحضوري في السنة الدراسية التي انتهت مؤخرا ً  ، يسعى الكادر التربوي والتعليمي في المدارس بالتعاون مع الأهالي إلى متابعة سلامة الأطفال الذهنية ، حيث تقوم أعداد كبيرة من المؤسسات التعليمية والتربوية إلى توظيف مشرفين صحيين إجتماعيين ، وأخصائيين نفسيين تربوين لمتابعة أحوال الطلاب لا سيّما في المرحلة التأسيسية (الإبتدائية ) .

وفي مطلع السنة الدراسية المقبلة ، يجب أن يتمّ رصد هذا الموضوع ومتابعته من قبل الطواقم التعليمية والتربوية التي تقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة ، خاصّة وأنّ السنة التي مضت كانت هناك شكاوى كثيرة من تراجع المستوى الدراسي للطلاب .

Whatsapp