انفجار مرفأ بيروت اعتداء إسرائيليّ-أميركيّ.. والهدف إذعان لبنان لمبدأ التطبيع مع “إسرائيل” .

Whatsapp

 

انفجار المرفأ في بيروت اعتداء إسرائيليّ-أميركيّ.. والهدف منه استمرار شلّ لبنان لكي يذعن لمبدأ التطبيع مع إسرائيل (بقلم جورج عبيد)

 

“لماذا ارتجّت الأمم والشعوب فكّرت بالأباطيل؟”

(المزمور الثاني)

أزمة لبنان اليوم لم تعد مرتبطة ومنوطة بعنوان “التأليف الحكومي”. الأمم كلّها محتشدة في الوطن الصغير كما احتشدت قبلاً في الحرب السوريّة، لتكتب وتطوي آخر صفحة من صفحات صراعها قبل اكتمال عناصر التسوية في لحظة الكمال وملء الزمان.

الانكباب على هذا العنوان والانشداد إليه بات مضيعة للوقت لكونه تفصيلاً من التفاصيل المستهلكة في لبنان. ذلك أنّ الأزمة وجوديّة وكيانيّة وتكوينيّة، ولم تعد أزمة حكم ونظام ودستور، على الرغم من ضرورة الاعتراف بأنّ الحكم والنظام حين يكونان مستهدفين ومترجرجين، والدستور حين يحتجب النصّ المعلن خلف نصّ صامت أفعل وغير معلن تفتح الطريق توًّا على أزمة تأخذ هذا البعد الذي بلغناه بهذا الإحساس المولِّد لهذا التوصيف.

نحن غرقى تفاصيل كثيرة، وأسرى مباحثات هذيانيّة نعرف سلفًا أنها لا تقدّم أو تؤخّر. اللجة الأساسيّة التي كشفت الحقيقة المقولة، وأدنتها إلى الآذان والأسماع انفجار المرفأ في بيروت. فلا شكّ هنا بأنّ البحث في المسببات الداخليّة مطلوب قضائيًّا إذا رام القضاء الحزم بعزم عبر استقلالية قرار. لكن ما لم يعلن جهارًا إلى الآن، وهو أنّ الانفجار الهائل والرهيب، كان المنطلق الجوهريّ لانكشاف المتغيّرات في اللحظة ذاتها، كما كان اغتيال المرحوم رفيق الحريري لحظة سابقة قادت إلى مجموعة متغيّرات عصفت في لبنان والمنطقة وصولاً إلى الحرب على سوريا. الدم الذي أريق في 14 شباط سنة 2005 قال كلمته وفعل فعله. غير أنّ الدم الذي عمّد أرض لبنان في الرابع من آب من هذه السنة، اتسعت دائرته بصورة دراماتيكيّة، فجعلته أرضًا مباحة لإمكانية الاختراقات الكبرى والخطيرة في مقابل ما حدث من تطبيع بين عرب الخليج وإسرائيل.

ما هو معنى الاتساع المقصود هنا؟

قبل الإيغال في معنى الاتساع بدائرته المكنونة ضمن الأهداف المرسومة، لم يعد مقبولاً غضّ النظر عن أنّ الانفجار لم يكن عمليّة إرهابيّة للغاية. أخذ اللبنانيين إلى احتمال أن يكون ناتجًا من أخطاء تقنيّة تسطيح وتسخيف واستهتار، والمعطى المنوجد في جوفه أجوف وتافه. إنفجار مرفأ بيروت ناتج عن عملية أميركيّة-إسرائيليّة مشتركة، والأوروبيون كما الخليجيون غير بعيدين عنها.

إذا أقررنا بفهم ووعي أننا عملية إرهابية نوعية متكاملة الأطراف والأجزاء نسحينئذ أن نستنتج المعنى وأن ندرك الخلفيّة الأساسيّة للحرب الاقتصادية والماليّة والاجتماعيّة على لبنان منذ صيف 2019. هذه القراءة يجب بتصوري أن تؤخذ على محمل الجدّ، ليس فقط لفهم ما حدث ويحدث في لبنان بل لفهم ما دار ويدور من حولنا كنتائج فوريّة ظهرت من الانفجار عينه.

ماذا حدث توًّا بعد الانفجار؟

في اليوم التالي، أي بتاريخ الخامس من آب كان رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون يطأ بقدميه أرض لبنان، وظهر الحشد الدوليّ الكثيف المتعاطف لفظًا بجزء منه لفظًا مع لبنان.

لماذا فورًا شمّع الخيط وأتى الرئيس ماكرون وطرح ورقته الإنقاذية المشوبة بالكثير من الضبابيّة والإبهام بدلاً من الوضوح، وهل يعقل بأن ماكرون فوجئ بهذه العمليّة؟

لعمري لم يتفاجأ الرجل بها، معظم المعلومات أشارت بأنّ كان متلقّفًا لها، وقد استغلّ مشهد الرماد ليعلن بأنّ إحدى الشركات الفرنسية ستقوم بإعماره من جديد، سادًّا الطريق على الاقتحام التركيّ باتجاه المرفأ. ثمّ راح يقدّم ورقته ويوبّخ القادة السياسيين، من دون أيّ غنتباه لمشتله الواقعيّ.

ما يفترض فهمه بأن ورقته نشأت على مفاعيل الانفجار. دفعه الأميركيون في مرحلة أولى، واتفقوا معه على الدور، ثمّ انقضّوا عليه في التفاصيل المرتبطة بالدور، لا سيّما في فحوى مشاركة حزب الله بالحكومة والتفاهم القائم بين التيار الوطنيّ الحرّ والحزب عينه، فأنطلق ديفيد شينكر بدءًا ليعترض على المشاركة ثمّ تبعه مايكل بامبيو، ثم جاءت الصفعة من الأميركيين مباشرة على المبادرة باستخدامهم ورقة العقوبات على جبران باسيل، ليعلو من جديد نجم سعد الحريري ويتنطّح بقوّة بعد تكليفه مستخدمًا ورقة التكليف على أنقاض مرفأ بيروت للضغط، ومتّكئًا على صدر الأميركيين بالنسبة للحكومة بشكلها ومضمونها.

لم يكن الرئيس نبيه برّي وبرأي متابعين بريئًا من اصطفاف هذه العناوين المنطلقة من انفجار مرفأ بيروت، إذ بعد العقوبات التي طالت وزيره علي حسن خليل إلى جانب يوسف فنيانوس، رمى على طاولة النقاش السياسيّ ملفّ مفاوضات ترسيم الحدود غير المباشرة مع إسرائيل، مستندًا على المادة 53 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية حقّ التفاوض وتشكيل الوفد، ثمّ في مقابل ذلك، تشدّد بما خصّ ترشيح سعد الحريري، وهو العارف بأنّ ليس من إمكانية تجانس منظور بين سعد والرئيس ميشال عون. لعب لعبته بمهارة إلى جانب حلفائه الطبيعيين، وحزب الله ليس منهم، أتوا بالحريري فجعلوا تكليفه سيفًا مسلطًا على العهد، بظنّ كبير بأنّ العهد سيبقى مشلولاً حتى إشعار آخر. وكان كلّ ذلك منسّقًا مع الأميركيين، وهو إلى الان لا يزال يدعم رياض سلامة من ضمن آليات التنسيق عينها. وفي هذا الانشداد أتت العقوبات على جبران باسيل.

على هذا المستوى لا بدّ للمتابع الذكيّ من أن يستقرئ بأنّ كلّ هذا الاصطفاف منطلق بل مستولد من جوهر الاعتداء على مرفأ بيروت. كلّ الحرب الأميركيّة على لبنان بشقّها الاجتماعيّ والماليّ تملك هدفين معلنين عند الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري ووليد جنبلاط، وهما ضرب عنصر القوة في التلاحم والتحالف بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله، والأساس بين العهد وبين المقاومة، وهو مصدر القوّة الردعيّة الجامعة بين المسيحيّة المشرقيّة ممثّلة بالعماد ميشال عون والإسلام القرآنيّ المقاوم غير الإرهابيّ والبريء من أدران التكفير ممثّلاً بالمقاومة بوجه إسرائيل المغتصبة للحقوق، ولا سيّما للقدس والجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

إيمانويل ماكرون بتقدير المتابعين غير مبال بذلك. عدم المبالاة عنده ظهر في هزالة انسحاب شركة توتال من البلوك 4 وإذعانها للمطالب الأميركيّة، وقد انكفأ الآن تحت الضغط الأميركيّ، ليعود الأميركيون أكثر ضغطًا من قبل حتى يحين موعد تسلّم جوزف بايدن مقاليد الرئاسة بحال جاءت عملية الانتقال سليمة وسلسة.

من جملة ما حدث، بأن انفجار المرفأ في بيروت نقل الزخم الملاحيّ إلى مرفأ حيفا، من بعد ما كان مرفأ بيروت مستويًا على آرائك المجد في هذا المجال. كان النقل متعمّدًا بفعل تبيان حقيقة الاعتداء. إقترن النقل في المقابل بعمليّة أخرى وهي الأشد فتكًا بالحقوق العربيّة وهي التطبيع الخليجيّ-الإسرائيليّ. يمعنى أن الجزء اليسير من هدف الاعتداء إنكشاف التطبيع وتجسيد ما كتبه غاي بيتشر سنة 2015 في صحيفة إيديعوت أحرونوت لقد انتهى عصر النفط العربيّ وبدأ عصر العقل الإسرائيليّ. لقد أكّدت عمليّة التطبيع عنوان كتاب للمغفور له الدكتور كمال صليبي بأنّ التوراة من شبه الجزيرة العربيّة أتى، أي من الخليج أتى وظهر ويصلّب أعمدته فوق رماله.

وخطورة التطبيع مع إسرائيل، أنه سينعكس على الدور اللبنانيّ في عمليات الاستثمار في الخليج العربيّ، وسيدرك اللبنانيون مدى خطورة التنافس التي قد تؤول إلى خطر جسديّ وبيولوجيّ أو إلى طرد اللبنانيين من هناك.

إنّ انفجار مرفأ بيروت أظهر تلك الحقائق، يضاف إليه اغتيال العالم الإيراني قخري زادة. ما يخيف في هذه الظروف بأن دونالد ترامب بقدّم هدايا استراتيجية وثمينة على مذابح التطبيع مع إسرائيل بممارسته التطويع عن طريق سفك الدماء. ليست المسالة منوطة بارتباط الجرائم برحيل ترامب المتوقع، بل بتصفية رموز جوهريّة كانت لها اليد الطولى في تحقيق النصر على المشروع الأميركيّ-الإسرائيليّ في المنطقة. وعلى هذا إن اغتيال فخري زادة لا يقلّ شأنًا عن الحرب المالية الضروس التي تشنّها أميركا على لبنان بسبب مواقفه العلنية ضد التطبيع وضدّ عدم الحلّ السياسيّ في سوريا وضدّ عدم عودة النازحين ورفض التوطين، بل في رفضه الحرب على سوريا مع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون.

والأمر الأخير فإنّ انفجار مرفأ بيروت تمّ على أطلال مرحلة دقيقة للغاية تشي بظهور خريطة سياسية جديدة لشرق أوسط جديد، وما قاله وزير الداخلية السابق مروان شربل ووقف عنده المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم حول إمكانية اقتحام موجة من الاغتيالات لبنان من جديد جدير بالمتابعة والقراءة في لحظات صراع الأمم وارتجاجها، وسيادة الفكر الباطل على أعمالها، فمع كلّ لحظات تغييرية يراق دم سياسيّ، وعلى سفكه يشاد وجه جديد للبنان والمنطقة.

ألا حمى الله لبنان ودرأ كلّ أنواع المخاطر عنه.

Whatsapp