صباح في زمن الكورونا . بقلم د مهى شومان جباعي

Whatsapp

كتبت الدكتورة مهى شومان جباعي قصيدة بعنوان صباح في زمن الكورونا …

مِنْ عَلى شُرْفَتي
أَخْتَرِعُ شَكْلاً آخَرَ لِلْحُضورِ
لَوْنًا جَديدًا لِلَّحْظَةِ
طَعْمًا آخَرَ لِقَهْوَتي الصَّباحِيَّةِ
أَوْ نَكْهَةً مُخْتَلِفَةً
لِلنّيكوتينِ في سيجارَتي….
أُبَرِّرُ لِلأَشْياءِ عُزْلَتَها
لِلْوَقْتِ رَتابَتَهُ
أَخْتارُ أَنْ لا أَخْتارَ
أَنْ أَكونَ بِبَساطَةٍ
مُجَرَّدَ امْتِثالٍ
في مَشْهَدٍ رَتيبٍ
لاِمْرَأَةٍ تُطَبِّقُ طُقوسَ العَزْلِ
مُجْبَرَةً
في زَمَنِ الكورونا…


مِن عَلى شُرْفَتي
صَباحٌ مُرْبِكٌ.. يُضاف إِلى صَباحاتٍ
تَبْحَثُ عَنْ شُموسٍ
لِتَسْتَعيدَ هُوِيَّتَها المُشْرِقَةَ
تَقْتَرِبُ أَغْصانُ الأَشْجارِ مِنّي
تَحْرُصُ أَنْ تُبْقي بَيْنَنا
مَسافَةَ مِتْرَيْنِ….
يَعْبُرُ عُصْفورٌ
يَرْمي بِتَحِيَّةٍ عَلى عَجَلٍ
وَلا يَحُطُّ….
يُزْهِرُ اللَّوْزُ في خَفَرٍ
وَيَخْرُجُ العُشْبُ مُتَرَدِّدًا
حَتّى الفَراشاتُ هَجَرَتْنا
في مَطْلِعِ هذا الرَّبيعِ…
الشَّمْسُ تُحاوِلُ أَنْ تُسْقِطَ
بَعْضًا مِنْ دِفْءٍ
في الهَواءِ… في الأَمْكِنَةِ … في القُلوبِ
عَلَّها تُحْدِثُ فارِقًا
في صَباحِ امْرَأَةٍ
تُطَبِّقُ إِجْراءاتِ العَزْلِ
مُجْبَرَةً
في زَمَنِ الكورونا…


وَحيدَةٌ… إِلاّ مِنَ الشُّكوكِ
مِنْ فُنْجانِ قَهْوَةٍ
بَيْنَ أَصابِعي
مِنْ كوبِ ماءٍ…. لَمْ أَقْرَبْهُ
مِنْ طَفّايَةِ سَجائِر
تَحْتَضِنُ رَمادَ الوَقْتِ
مِنْ مُفَكِّرَةٍ
أَسْقَطَتْ عَنْها مَواعيدَها
وَاسْتَراحَتْ….
مِنْ نَسْمَةٍ عابِرَةٍ
تَحْمِلُ رَذاذَ الاِرْتِيابِ
مِنْ قُبْلَةٍ للأَهلِ.. باتَتْ مُسْتَعْصِيَةٍ
مِنْ لِقاءٍ مُؤَجَّلٍ
مِنْ عِناقِ أَحِبَّةٍ
مُنْتَظَرٍ
في بالِ امْرَأَةٍ
تُطَبِّقُ قوانينَ العزلةِ
مُجْبَرَةً
في زَمَنِ الكورونا


مِنْ عَلى شُرْفَتي
رَشْفَةَ قَهْوَةٍ…
وَتُطِلُّ فَيْروزُ
بِصَوْتِها الهادِئِ
لِتُؤَكِّدَ لِلْوَطَنِ
“بعدك بقلبي”
وَالقَلْبانِ مُتْعَبانِ….
أَتَحايَلُ عَلى الكَلِمَةِ
كَيْ تُدْخِلَني عالَمَها
أَقْرَعُ بَوّابَتَها السِّحْرِيَّةَ
بِإِلْحاحِ قَلَمي
لأُفاجَأَ بِالحُروفِ
تَتَواطَأُ عَلَيّ
أَلْقاها مُرْتَبِكَةً
تَضَعُ أَقْنِعَةً…
تَلْبَسُ قُفّازاتٍ طِبِّيَّةً
تَحْتَلُّ عِباراتٍ مُعَقَّمَةً
حُضورُها لا يُشْبِهُها
وَتَخْتارُ لَها،
عَلى غَيْرِ عادَتِها،
حَرارَةً مُنْخَفِضَةً
وَعِنْدَما لا تَجِدُ ما يُقالُ
تَسْقُطُ مُبَعْثَرَةً
عَلى أَوْراقِ امْرَأَةٍ… تُطَبِّقُ إِجْراءاتِ الحِمايَةِ
مُجْبَرَةً
في زَمَنِ الكورونا…


مِنْ عَلى شُرْفَتي
تَثورُ عَلَيَّ حَواسّي
فَتَرْفُضُ أَنْ تَنْصاعَ
مُجْبَرَةً…..أَخونُها
أَعْتَقِلُ يَدي
دونَما ذَنْبٍ….
أُغْلِقُ بِكَمّامَةٍ شُرْفَةَ ابْتِسامَتي
بِتِهْمَةٍ مُفْتَرَضَةٍ…
كَيْفَ أُقْنِعُ الاِبْتِسامَةَ أَنَّ حُضورَها آثِمٌ
أُلْغي مِنْ صباحاتي
قُبُلاتِ الأَحِبَّةِ… رَفاهِيَّةٌ فاهِرَةٌ
أَقْتَصِدُ في العِناقِ….. لُزومَ عادَةٍ جَديدَةٍ
في يَوْمِيّاتِ امْرَأَةٍ
تَلْتَزِمُ بِإِجْراءاتِ الوِقايَةِ
مُكْرَهَةً
في زَمَنِ الكورونا…


مِنْ عَلى شُرْفَتي…
مُرْبَكَةً بِواقِعِ الحالِ
أَشْتاقُ لِسَماعِ طَرَقاتٍ
عَلى بابي
لِمُصافَحَةِ الأَهلِ
لِرائِحَةِ يَدي
دونَما مُعَقِّمٍ
أَفْتَقِدُ حَلَقاتِ الأَحِبَّةِ
في السَّهْراتِ الجامِعَةِ
لِاقْتِسامِ رَغيفِ الخُبْزِ
وَلَمَّةِ “لقمة عالماشي”
أَشْتاقُ لِعَبَقِ الزِّحامِ
لِأَنْفاسِ المَقاهي
تُوَزِّعُ أُلْفَةً وَمَحَبَّةً وَنَراجيلَ
وَتَحِيّاتٍ مِنْ وُجوهٍ بِالكادِ نَعْرِفُها….
أَغيبُ في دِفْءِ الذِّكْرَياتِ
في وَجَعِ الذِّكْرَياتِ
وَأَشْتاقُ لِلأَمْسِ الدّافِئِ
لِصَباحاتٍ مِنْ فَرَحٍ وَأُلْفَةٍ
أَسْتَحْضِرُها…. عَلَّها تَعودُ
رَشْفَةَ قَهْوَةٍ…
أُمْنِياتٍ مُؤَجَّلَةٍ
في خاطِرِ امْرَأَةٍ
تُطَبِّقُ قَوانينَ الحَجْرِ الصِّحِّيِّ
مُجْبَرَةً
صَباحَ يَوْمٍ في زَمَنِ الكورونا….
د مهى شومان جباعي
أستاذة جامعية وكاتبة

Whatsapp