خسر حلفاء الداخل والخارج . الحريري في موقف لايحسد عليه

Whatsapp

عبدالكافي عبدالصمد

بعد ساعات قليلة من اعتذار الدكتور مصطفى أديب عن تكليفه تأليف الحكومة اللبنانية، أول من أمس السبت، شاعت أخبار وتصريحات تفيد أن الرئيس سعد الحريري هو أحد أبرز المرشحين لتولّي هذه المهمة.

هذه الأخبار التي لم تثبت صحّتها بل كانت مجرد تخمينات، والتصريحات التي كانت بدورها أمنيات أطلقها أصحابها، سرعان ما نفاها الحريري في تصريح أدلى به إلى جريدة “الشرق الأوسط” السعودية، أمس، أكّد فيه أنّه لن يكون رئيساً للحكومة “ونقطة على السطر”، قبل أن يعود ويؤكّد ذلك أمس أيضاً في بيان صادر عن مكتبه بأنّه “غير مرشح لتولي تشكيل الحكومة الجديدة”.

لكن ما كان لافتاً في التصريح والبيان مفارقة أنّ الحريري في تصريحه إلى الجريدة السعودية أكد أنّه “لن أُسمّي أحداً لتولي رئاسة الحكومة”، بينما لم يأت في بيانه على هذا الأمر من قريب أو بعيد.

موقف الحريري الذي أبدى فيه عدم رغبته بترؤس الحكومة المقبلة، في تعبير عن “زهد” سياسي غير معروف عنه، لا يعود بالدرجة الأولى إليه، إنما إلى جملة أسباب داخلية وخارجية يمكن تلخيص أبرزها بالنقاط التالية:

أولاً: لم يجد الحريري نفسه، منذ دخوله معترك العمل السياسي بعد اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، مأزوماً داخلياً كما هو هذه الأيّام. فالأمر لم يعد يقتصر على تراجع في شعبيته وخسائره المالية فقط، بل امتد الأمر إلى نكبات سياسية يصعب عليه الخروج منها بسهولة.

فبعد انفراط عقد فريق 14 آذار الذي كان الحريري زعيمه المتقدّم فيه على آخرين، بدأ الحلفاء يبتعدون عنه أو يبتعد عنهم بشكل تدريجي ولأسباب مختلفة. من القوات اللبنانية إلى النائب وليد جنبلاط إلى حزب الكتائب وسواهم من غير أن يربح بالمقابل خصومه، قبل أن يتلقى ضربات من تحت الزنّار من داخل “بيته” السياسي، المتمثل بعائلته وتيار المستقبل، بعد خروج شقيقه بهاء منافساً له على زعامة الطائفة السنّية والتيّار الأزرق، وتصدّع صفوف التيّار بعد أن أنجز التسوية الرئاسية عام 2016، وصولاً إلى خطوته الأسبوع الماضي بموافقته على “إعطاء” وزارة المال إلى الطائفة الشيعية في حكومة مصطفى اديب التي لم تبصر النور، ما جعل أصواتاً من داخل “القلعة الزرقاء” تخرج لتنتقد بشدة تنازلاته، وصولاً إلى اتهامها له بـ”خيانة” دماء والده.

يضاف إلى ذلك أنّ نادي رؤساء الحكومة السابقين، الذي كان داعماً له في أكثر من محطة عندما كان على رأس الحكومة وخارجها، أدت خطوته الأخيرة إلى شقاق وتباعد بينه وبينهم، وتصدّع لن يكون من السهولة بمكان رأبه قريباً.

ثانياً: يجد الحريري نفسه في موقع حرج للغاية حيال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فالأخير كان يُعوّل على الحريري لحفظ ماء وجهه ولإنجاح مبادرته لتأليف الحكومة اللبنانية التي قدّمها يوم زار بيروت مطلع الشهر الجاري، لكن مهلة الـ15 يوماً التي أعطاها ماكرون لتأليف الحكومة، ومدّدها أكثر من مرّة، إنتهت ولم تتألف الحكومة، وسقط معها أو تراجع رهان ماكرون على الحريري.

ثالثاً: ما تزال معاناة الحريري مع مرجعيته السّياسية الرئيسية وهي المملكة العربية السعودية مستمرة، وتحديداً منذ اعتقاله فيها 14 يوماً في عام 2017. إذ لا يبدي قادة المملكة إرتياحاً لسياسة الحريري اللبنانية عامّة، وتحديداً بما يتعلق منها بحزب الله. وتفيد معلومات في هذا السياق أن الأيام الأخيرة شهدت إنزعاجاً سعودياً من خطوته بتسهيل مهمة مصطفى أديب تأليف الحكومة بموافقته على إعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية، وأن ما يشبه “الإنقلاب” كان يُحضّر ضده في لبنان بإيعاز سعودي، وهو ما دفع الحريري ليلجم إندفاعته تحسباً لعواقب سياسية وخيمة يدركها جيداً أكثر من غيره.

Whatsapp