في بيت الملحن الراحل سهيل عرفة، كان طبيعياً أن تلتقي ابنته أمل بوديع الصافي مثلاً على مائدة الغداء، أو فيلمون وهبي على العشاء. هذه الأجواء جعلت الطفلة تتعلّم عدم الانبهار بالنجوم، بل ربما أعطاها فرصة تلمّس الجانب الإنساني المعتاد لدى المشاهير، وزودها بفرصة أن تراهم بشراً يزاولون حياتهم الطبيعية. لكنّ هذا الجانب سيتبدد من شخصية النجمة أمل عرفة، بل هي ربما تتقصّد إحالته إلى محاباة زائدة، وترحيب مبالغ، وحفاوة مطلقة، تقابل بها ضيوفها من نجوم الزمن المعاصر في برنامجها «فيه أمل» (قناة «لنا»- كل خميس ـــ الساعة 9 ليلاً) كأنها تراهم للمرة الأولى وتودّ التعبير لهم عن إعجابها المفرط، أو تريد القول بأن الضيف في المنطق الإعلامي يجب أن يمشي على بساط من لياقة مضيفه، واحترامه له، وتقديره لتاريخه، والإضاءة على كل الجوانب المشرقة في فنّه وشخصيته. لكن يبدو استديو البرنامج عبارة عن مهرجان لكيل المديح المتبادل بين النجمة السورية وزملائها الذين تتناوب على استضافتهم بطريقة مجاملة الصالونات، وزيف الاحتفالات حيث يظهر الوسط الفني عبارة عن ملائكة محبة وفرسان توالف وسلام! إذاً، حكمت الدبلوماسية الفائضة منذ البداية على تفريغ البرنامج من أي محتوى نقدي، إلى درجة أننا نسمع عرفة تقول لرشيد عسّاف مثلاً بأن مسلسله الأخير «الواق واق» (تأليف ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو) حقق نجاحاً بالنسبة إلى البعض، وأثار استغراب بعضهم الآخر! علماً أنّ العمل حصد إجماعاً على فشله الذريع. على أي حال، لا يقترح «فيه أمل» نفسه كبرنامج حوار نقدي، إنما يحاول تكريم الفنانين الذين يستضيفهم لكن بدون بذل الجهد المناسب على مستوى الإعداد. حتى إنّ سؤالاً عن الندم طُرح على النجمة المخضرمة منى واصف، ثم ورد مرة ثانية في الأسئلة الختامية المكتوبة على شكل جمل تتطلب من الضيف إكمالها في بطاقات يسحب واحداً منها، إضافة إلى الاستسهال الواضح في صياغة الأسئلة وتوزيع الفقرات.
لذا يبدو غريباً أن يظهر اسم المقدمة على الشارة كصاحبة فكرة، رغم أن العمل التلفزيوني يفتقر بالمطلق لأي بناء حكائي، أو جوهر يمتاز بالجدّة والرشاقة، أو هيكلية حديثة وخاصة، فكلّ ما نشاهده عبارة عن أسئلة تقليدية مكررة ربما سبق طرحها على الضيف عشرات المرّات خلال مشواره، بخاصة أن هذه الأسئلة ترتبط بماضيه وحاضره ومستقبله، بلا أي ملمح للاجتهاد أو البحث في خفايا وكواليس حياته، أو الشغل على خلق صيغة أسئلة تواكب نشاطه الفني. إضافة إلى ذلك، نحن في استديو كلاسيكي مغلق حتى على الاحتمالات الإخراجية الممكنة، وطريقة حركة الكاميرا التي لا تجد سبيلاً سوى المراوحة بين وجهي الضيفين، لتقتسم عرفة حصتها الوفيرة من الظهور ضمن سياق حالة بصرية مقفرة تماماً، وفقر مطلق على مستوى الفواصل أو الإنسيرتات الجذابة، إلى جانب المزاج الرتيب للفرقة الموسيقية، وتصديرها شعوراً بالملل للمشاهد، كأنها أتت مرغمة إلى الاستديو! لذا لن يبقى أمام البرنامج من رهان سوى شخصية الضيف، وبراعته في الكلام، والكاريزما التي يتمتّع بها، وقد تخوّله وحيداً لأسر المشاهد والاحتفاظ به حتى نهاية الحلقة، خاصة أن البرنامج يطلب من الضيف الغناء لأكثر من مرة بمشاركة مقدّمته، من دون أن يلزم أحداً بذلك. على هذا المنوال، تمكّن النجم أيمن زيدان مثلاً من الاستحواذ على تعاطف وإعجاب المشاهدين لأنه قرر ترك الباب مفتوحاً لعفويته وصدقه وعمق إجاباته، خاصة أنه لم يظهر تلفزيونياً ولا حتى في أدوار تمثيلية منذ مدة طويلة، فإذا به يحصد تنويه عدد من المشاهدين على صفحاتهم الشخصية على الفايسبوك. كذلك تمكّن النجم رشيد عساف منفرداً ببراعته في الروي من إنجاز حلقة مقبولة… لكن وفق التقييم الإجمالي، يأتي «فيه أمل» عبارة عن تجميع مجاملات لفنانين التقيا أمام الكاميرا، ينقصهما الإعداد، والإخراج، واللوكيشن المناسب، والحس النقدي، والهوية البصرية ليصبح اسمه برنامجاً تلفزيونياً.
* «فيه أمل»: كل خميس 21:00 على قناة «لنا»
قم بكتابة اول تعليق