كيلو “الكشك” يتجاوز ال100 ألف .. هل تصمد المونة اللبنانية أمام الغلاء الفاحش ؟

 خاص صور برس – زينب نعمة 

“الكشك البلدي” ، ملك المونة اللبنانية تحديدا ً لأهالي القرى الجبليّة ، فهو يكتنز شمس الصيف ليصمد في وجه البرد وليالي الشتاء الطويلة . والكشك عبارة عن لبن أو لبنة، مع البرغل والملح. هذه هي المكوّنات الأساسيّة، ولكن لكلّ منطقة أو عائلة طريقتها التقليدية التي ورثتها من الأجداد.يبدأ تحضير الكشك في لبنان  ابتداءً من شهر حزيران إلى شهر أيلول من كلّ عام . ويتّصف بأنّه وجبة أساسية لدى السكان وتحديدا ً القرى ، لا سيّما البعيدة والعالية والباردة .

لا غنى لنساء  القرى في لبنان ، عن النشاط الموسمي في إعداد المونة وبالأخصّ الكشك الذي يعتبر سيّد المائدة والفطور الصباحيّ، نظرا ً لخلوّه من المواد الكيميائية الضارّة وهذا ما بتنا نفتقده في طعامنا وعاداتنا الغذائية ، بسبب الأنماط الصناعية الاستهلاكية التي غزت أسواقنا.

تقول السيدة منى الحسيني ، أنّ هذه السنة بدأ إعداد الكشك في منطقة البقاع باكرا ً بسبب تخوّف الأهالي من المزيد من الارتفاع في أسعار المواد الأوليّة المستخدمة، لأنّ عجلة ارتفاع الأسعار الجنونية طالت كلّ نواحي الحياة وكلّ تفاصيل المعيشة ، ومن ضمنها المواد المستخدمة في صنع الكشك . وهذا ما حصل فعلياً هذا ما يلقي بتبعاته على الناس التي تنوء تحت ظلّ الهموم المعيشية والأزمات المتلاحقة التي لم تعد تسمح للبنانيّ أن يأخذ حتى استراحة صغيرة لإستعادة طاقته التي نفذت .

تقوم السيدة منى وهي من منطقة شمسطار في البقاع الشمالي بصنع الكشك كما تعلّمته من  أمها وجدتها في القرية. إذ كانت تساعدهما في  تحضير المونة منذ أن كانت طفلة ، وتقول “أنّ لكلّ قرية طريقتها في صناعة الكشك وطقوسها المحددة التي قد تختلف عن باقي القرى “.

أمّا عن طريقة إعداد الكشك ،تشرح السيدة منى أنّها تقوم بغسل البرغل الأبيض الحبة الكاملة، بطريقة دقيقة جدا ً وتتركه ليجفّ عبر وضعه على أغطية وشراشف خاصّة ونظيفة مع الانتباه إلى نظافة المكان وخلوّه من الحيوانات والحشرات والغبار ، وتعرّضه لأشعة الشمس .بعدها تقوم بكسره وطحنه كي يصبح مثل السميد ، أي يصبح ناعما ً.

أمّا عن المراحل التالية  في تحضير الكشك فتكمل السيّدة “إيمان حرب “(وهي أيضا ً من منطقة شمسطار) : بعدها نضيف اللبن على مدار 5 أيام، وندعكها ونكبس المزيج لمنع الهواء صباحا ومساء ونعدّل الملح، ثم نضعه قطعا ً على السطح (نقسّمه الى شقف صغيرة) ونفرده على قطعة قماش خاصّة . نتركه ليجفّ، ونفركه  ونقوم بتقليبه كلّ ساعتين حتى يصبح قاسيا ً ويصبح كالبرغل، ونتركه يوما ًإضافيا ً في الشمس لنحصل على الكشك الذي نريده، ونقلّبه كلّ فترة خلال يوم كامل حتى تجفّ المكوّنات وتصبح قاسية وقابلة للطحن مثل القمح، أبيض وحامض وذا نكهة مميزة ورائحة زكية. ويؤخذ الكشك الجاف إلى المطحنة ليطحن وينخّل ويصبح جاهزا ً للتخزين أو الاستخدام المباشر. و من الأفضل تخزينه في أكياس قماش، أو أوعية حفظ زجاجية محكمة الإقفال بعيدا ً عن الرطوبة ، كي يبقى طازجا ً وذا جودة عالية لكلّ السنة وليحافظ على طعمته المميّزة .

وتعتبر السيدة ” إيمان” أنّ العمل في الكشك دقيق جداً ويحتاج إلى معرفة وخبرة، لأن الخطأ الصغير أو الخلط الزائد أوعدم معرفة متى أصبح جاهزا ً يفسد مونة عام كامل ويعطيه طعما ً مرا ً ، أو حتى يغيّر طعمته ولونه ورائحته ،لذلك يجب مراعاة الدقّة والاحترافية للحصول على النتيجة المرجوّة .

تحضير الكشك باستخدام الحليب

تختلف طرق تحضير الكشك باختلاف المناطق اللبنانية والقرى على حدّ سواء وقد تتنوّع الطرق وتختلف حتى في نفس القرية بين عائلة وأخرى .

بحسب السيدة رئيفة من منطقة البقاع الغربي ، هناك طرق أخرى لإعداد الكشك وذلك عبر استخدام الحليب البلدي سواء البقر أو الغنم أو كلاهما سويا ً ، حيث يتمّ إحضار الحليب الطازج ووضعه في آنية كبيرة وعميقة (برميل بلاستيك) وإضافة مقدار ملعقة كبيرة من الملح (اي بمقدار راحة اليد) . بعدها يتمّ تحريك الحليب ثم  تغطية وجه البرميل بقماشة وتركه حتى تتشكل فوقه قشرة اسمها خير الحليب تكون بارتفاع ٢٠ سم تقريبا ً شبيه بالقشطة واللبن .

بعدها يتمّ غسل البرغل بالماء الساخن لعدّة مرّات حتى تصفى ماؤه وتصبح شفافة. ثم يوضع البرغل في أواني كبيرة بحفة مرتفعة لفسح مجال للبرغل أن يتضاعف حجمه بسبب غسله بالماء الساخن. ثم يتمّ  تغطية الأواني بقطع نايلون ثم بقطع قماش فوق النايلون.

بعد أن تتفتّح حبّات البرغل وتزول الرطوبة منهم  يضاف البرغل بمقدار قليل فقط لتختلط حبّات البرغل بالحليب. ويتمّ وضع قماشة نظيفة على وجه الأواني ، وتركه للمساء مع مراعاة تبريد البرغل بالحليب كلّما سخن . هذه العملية تاخذ يومين بتشريب البرغل بالحليب.

وعند اليوم الثالث يتمّ تصفية اللبن وتحويله إلى لبنة عبر التخلّص من كل المصل والبدء بدعك الحليب باللبن كل يوم مرتين. وأخيراً يتمّ تعبئة البرغل في أكياس قماش كبيرة ووضعها في أقفاص كبيرة لكي تتخلص من كل ما بقي من مصل اللبن والحليب منها، لتصبح شبه جافة.

ثم يتمّ تمليح الكشك.  وفي اليوم الثامن إذا كان الكشك بدأ يعطي نكهة الحموضة يتمّ إخراجه ووضعه على السطح كي يجفّ. وفي المرحلة الأخيرة  يتمّ تقطيع الكشك إلى قطع صغيرة وتركه لأربع ساعات  وبعدها فرك الكشك ليصبح ناعم وقابل للطحن. عندما يصل لهذه المرحلة يتمّ أخذه الى المطحنة لتحويله الى كشك بودرة .

تكاليف إنتاج الكشك أصبحت باهظة

لتحضير كيلو من الكشك ، يجب خلط كيلو لبن مع كيلو برغل ، فإذا نوت السيدة إعداد 5 كيلو مثلا ً ، تحتاج إلى 5 كيلو لبن و5 كيلو برغل .

تختلف أسعار المواد الأوليّة الأساسيّة للكشك هذا العام عن الأسعار في باقي الأعوام التي خلت، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية ، ما نتج عنه ارتفاع أسعار كلّ المواد الغذائية والسلع والمعيشة بشكل عام . إذ يصل سعر سطل اللبن في بعض المناطق إلى أكثر من 50 ألف ليرة لبنانية  أيّ يتجاوز  ضعف السعر القديم ، أمّا كيلو البرغل فيتجاوز سعر الكيلو 20 ألف ليرة بعد أن كان سعره لا يتجاوز  ال 2000 ليرة سابقا ً . وتكلفة الطحن في المطحنة أيضا  ً تزيد على التكاليف الموجودة.

أما سعر كيلو الحليب البلدي ، فقد تجاوز ال 25 ألف ليرة ، وسعره في ازدياد ، وتحتاج السيدة إلى كميات كبيرة من أجل تحضيرالموسم  لبيعه لاحقا ً . أما سعر كسر البرغل في المطحنة فتكلفة كسر البرغل هي 3000 ليرة للكيلو ، وسعر الطحن هو 4000 ليرة ، أي 7000 ليرة للكيلو في المطحنة .

وعن سعر كيلو الكشك هذا العام ، تقول السيدات ، أنّ التكلفة الباهظة للمواد المستخدمة وللمطحنة والتعب الكبير الذي يتضمنه إعداد الكشك والمراحل الكثيرة والشاقّة التي يتمّ المرورو بها أثناء التحضير ، يحتّم على الأهالي أن يبيعوا الكيلو بأكثر من 100 ألف ليرة ، والذي يعتبره كثر مبلغا ً ضخما ً خاصّة إذا تمّ شراء كميات كبيرة للتموين .

حتما ً السعر ليس قليلاً ، ولكن الأوضاع كلّها تفرض على صانعي الكشك أن يرفعوه مجبرين، كي يستطيعوا تغطية التكاليف الباهظة والحفاظ على هامش ربح مقبول يستطيع أن يعينهم في معيشتهم التي باتت كلّها غالية غلاءً فاحشا ً ،  من أصغر التفاصيل إلى أكبرها ، وبرأيهم هامش الربح على السعر الجديد مقبول نظرا ً للجهد الكبير الذي يبذلونه .