لا يزال الإسرائيليون يعانون من الآثار المدمرة الناجمة عن أضخم فشل استخباراتي في تاريخ بلادهم، وسوف تستمر الصدمة في إسرائيل في المستقبل المنظور.
وبحسب مجلة “Foreign Affairs” الأميركية، “في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول مباشرة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية تعبئة طارئة لقوات الدفاع الإسرائيلية، مع التزام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “بإنهاء” الحرب التي “لم يرغب فيها الإسرائيليون”. وقد أعلن نتنياهو أن أهداف الحملة هي القضاء على حماس، واستعادة جميع المواطنين الإسرائيليين المختطفين، وضمان عدم تمكن أي عنصر في غزة من تهديد إسرائيل مرة أخرى. لكن الجدول الزمني لاستكمال الهجوم الطموح الذي يقوم به جيش الدفاع الإسرائيلي لا يزال غامضاً، وكذلك الخطوط العريضة لنهاية محتملة لحرب غزة”.
ورأت المجلة أن “ما هو واضح تمامًا هو أن حرية إسرائيل في متابعة أهدافها الحربية المعلنة كانت ستكون مقيدة إلى حد كبير لولا الدعم المؤكد من الولايات المتحدة. ومع استمرار القتال وظهور الفجوات بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، فإن لدى إسرائيل أسباباً قوية للحفاظ على تحالفها الأساسي سليماً. ولضمان بقاء روابطها مع الولايات المتحدة بعد هذه الحرب، يتعين على إسرائيل ليس فقط أن تدير الحملة العسكرية الحالية بحكمة، بل أيضاً أن تعالج المشاكل السياسية الداخلية وأن تحدد إلى الأبد كيفية تسوية صراعها مع الفلسطينيين”.
وبحسب المجلة، “ساهم هجوم حماس في السابع من تشرين الأول بإعادة ضبط العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن التي كانت في السابق متوترة. وفي الواقع، لم تختف العداوات بين الرجلين، لكن التعاطف مع مأزق إسرائيل طغى على الخلافات العالقة. ووعد بايدن، الذي وصل إلى تل أبيب في 18 تشرين الأول، شعب إسرائيل بأن الولايات المتحدة “ستقف إلى جانبهم”، وتعهد قائلا: “سنسير إلى جانبكم في تلك الأيام المظلمة، كما وفي الأيام الجيدة المقبلة”. في المقابل، أصدرت واشنطن تحذيرات دورية، مثل تأكيد وزير الدفاع لويد أوستن في الثاني من كانون الأول الماضي على أن “حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة هي واجب أخلاقي وضرورة استراتيجية”. لكن مثل هذه التعليقات لم تخفف من التأثير الإجمالي للسياسة الأميركية التي، كما أكد أوستن أيضًا، تدعم “حق إسرائيل الأساسي في الدفاع عن نفسها”.”
وتابعت المجلة، “لقد فضّل بايدن احتضان إسرائيل علناً ونقل تحفظات الولايات المتحدة في محادثات خاصة مع القادة الإسرائيليين، معتقداً بوضوح أن هذه الاستراتيجية تمنحه تأثيراً أكبر على حسابات إسرائيل مقارنة بنهج المواجهة. وقد أسفرت مناشدات الرئيس الشخصية عن بعض النتائج، على سبيل المثال، من خلال المساعدة في إقناع إسرائيل بإلغاء خطط توجيه ضربة وقائية ضد حزب الله في لبنان في الأيام التي تلت الهجوم الأولي الذي شنته حماس. ويشير المتشككون في أساليب بايدن إلى حجم الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بغزة، على الرغم من الجهود التي تبذلها الدبلوماسية الأميركية خلف الكواليس، لكن الولايات المتحدة تتصرف أيضًا بناءً على مصلحتها الخاصة في نجاح إسرائيل في هزيمة حماس، التي صنفتها واشنطن كمنظمة إرهابية. وفي كلتا الحالتين، استفادت إسرائيل بشكل كبير من صداقة حليفتها”.
وأضافت المجلة، “على الرغم من الاحتكاكات المبكرة، فإن دعم إدارة بايدن لإسرائيل منذ 7 تشرين الأول كان لا جدال فيه. وحضر مسؤولون مدنيون وعسكريون اميركيون إلى إسرائيل، وكثيرًا ما شاركوا في المشاورات مع مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي. وأرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل عدة جسور جوية من القنابل والذخائر الأخرى لاستبدال مخزوناتها المستنفدة، كما تدخلت واشنطن لمنع قرارات مجلس الأمن الدولي التي من شأنها فرض عقوبات على إسرائيل أو الإصرار على أن ينهي الجيش الإسرائيلي مهمته في غزة، ولفتت الانتباه إلى محنة الرهائن الذين تحتجزهم حماس، وعملت على تأمين حريتهم. كما وطالبت الدول الأخرى بإدانة أعمال العنف الجنسي التي يرتكبها مقاتلو حماس ضد الفتيات والنساء الإسرائيليات”.
وبحسب المجلة، “في حديثه في البيت الأبيض في 10 تشرين الأول، حذر بايدن أعداء إسرائيل من الانضمام إلى حماس، قائلاً: “إلى أي بلد، وأي منظمة، وأي شخص يفكر في الاستفادة من هذا الوضع، لدي كلمة واحدة: لا تفعل ذلك”. ومن ناحية أخرى، بدأت الاختلافات في الظهور بين وجهات النظر الأميركية والأولويات العملياتية لإسرائيل. فمع استمرار القتال في غزة، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً لصالح “وقفات إنسانية تكتيكية”، الأمر الذي من شأنه أن يمنح حماس الوقت لإعادة إنشاء خطوط الاتصال الداخلية وإعادة تمركز قواتها استعداداً لهجمات إضافية على قوات جيش الدفاع الإسرائيلي وإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية. كما استغلت حماس المناشدات الأميركية لإسرائيل للسماح بدخول المزيد من الغذاء والوقود وغيرها من المساعدات إلى غزة. إن اعتراضات بايدن على “القصف العشوائي” من قبل القوات الجوية الإسرائيلية وعلى الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين في غزة، أجبرت إسرائيل على إعادة معايرة هجوم الجيش الإسرائيلي”.
وتابعت المجلة، “لقد كان الإسرائيليون دائمًا يعزون الدعم الأميركي القوي لبلادهم إلى مجموعة من القيم المشتركة، بما في ذلك الحرية والتعددية والديمقراطية، والمصالح، مثل تعزيز السلام والاستقرار. إلا أن هذه الأرضية بدأت تتغير الآن، خاصة وأن الأميركيين الشباب يعبرون عن قدر أقل من الانجذاب تجاه إسرائيل مقارنة بالأجيال الأكبر سناً. ربما يكون جو بايدن، الذي أكد في كثير من الأحيان أنه “ليس من الضروري أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا”، آخر رئيس ديمقراطي يتمتع بأوراق اعتماد مؤيدة لإسرائيل لا تشوبها شائبة. وفي الواقع، هذا الاتجاه ينبغي أن يقلق إسرائيل، وهو ما يقلقها بالفعل. والحقيقة الصارخة هي أن البلاد ليس لديها بديل عن الولايات المتحدة”.
ورأت المجلة أن “التحوط في رهاناتها، كما فعلت دول أخرى في الشرق الأوسط، من خلال بناء علاقات مع الصين وروسيا ليس خيارا بالنسبة لإسرائيل. ومؤخراً، حتى بايدن نفسه بدأ يضبط تصريحاته حول الحرب في غزة. وبدلاً من محاولة تقريب هذه المسافة من الولايات المتحدة، ربما يسعى نتنياهو في الواقع إلى إثارة خلاف مع واشنطن من أجل تحسين فرص عمله مع انخفاض معدلات تأييده. لكن الانخراط في مشاجرات علنية مع الولايات المتحدة هو آخر ما تحتاجه إسرائيل الآن. وسواء كانت إسرائيل تريد دولة واحدة، أو دولتين، أو أي شيء آخر، فيتعين على قادتها ومواطنيها أن يقرروا المسار الذي سيسلكونه قريباً، كما ويجب عليهم أن يدركوا أيضًا أنه بغض النظر عن قرارهم، ستكون له عواقب ليس فقط على إسرائيل نفسها، بل أيضًا على علاقتها الأساسية مع الولايات المتحدة”.
وختمت المجلة، “مع تعهد حماس بتكرار هجوم 7 تشرين الأول حتى “إبادة” إسرائيل، وتصعيد حزب الله هجماته عبر الحدود الإسرائيلية مع لبنان، وتعطيل الحوثيين في اليمن للشحن الإسرائيلي في البحر الأحمر، ومع استمرار المملكة العربية السعودية في إصرارها في ما تعلق بموضوع التطبيع، فإن خطوات إسرائيل التالية يمكن أن تؤدي إما إلى تعميق العنف أو التقدم نحو السلام”