لجنة البيئة النيابية: “البحر في الدامور والناقورة يتعدّى على الشاطئ..”!! في قضيّة التعدي على الأملاك البحرية .
فقط في لبنان، يُبرّأ المتعدّي على الأملاك البحرية العامة ويُجرّم البحر! فقد خلص اجتماع لجنة البيئة النيابية، أول من أمس، الى أن البحر في كل من منطقتي الدامور والناقورة «يتقدّم ويقضم الشاطئ»! بهذه العبارة برّر النائب القواتي غياث يزبك الذي يرأس اللجنة عمليات ردم البحر هناك، ملخّصاً ما حصل من نقاشات في الاجتماع بينه وبين زملائه الحاضرين (النواب أمين شري، عناية عز الدين، غسان عطالله، قاسم هاشم، ملحم الحجيري، نزيه متى وإيهاب حمادة) ووزيري الأشغال العامة والبيئة علي حمية وناصر ياسين. وأشار يزبك إلى أنه «ليس هناك تواطؤ من قبل الوزارات المعنية وليست هناك مخالفات بالمفهوم القاطع لكلمة مخالفة»، من دون أن يشرح ما هو المفهوم القاطع لكلمة مخالفة إن لم يكن ردم البحر وتغيير معالم الشاطئ وتلويث المياه وتشويه الطبيعة تُشكّل مخالفة قاطعة.
فصاحب العقارات الستة في منطقة الدامور العقارية (1814- 1818- 1824- 832- 1826- 1828) ناظم أحمد استحصل على رخصة من وزير الأشغال والنقل علي حمية للقيام «بأعمال استرداد وإعادة ردم العقارات المغمورة بمياه البحر مستنداً إلى تقرير فني مرفق بخرائط وموافقة من رئيس بلدية الدامور بتاريخ 27/6/2022). ثمة عدة أسئلة جوهرية هنا تتعلق بما يفترض أن يكون أمراً بديهياً، وهو التدقيق في التقرير الفني وفي أصل الملكية، إذ يُمكن على هذا المنوال لأي كان تزوير تقرير وتقديمه إلى الوزارة للحصول على رخصة لردم البحر تحت ذريعة أن البحر يأكل العقارات الخاصة، فضلاً عن أن القانون يفرض الحصول على دراسة أثر بيئي من وزارة البيئة قبل الشروع في عملية مماثلة. وهو ما لم يحصل واستدعى طلب وزير البيئة من وزير الأشغال احترام أحكام المرسوم الرقم 8633 الصادر بتاريخ 7/8/2012 عن أصول تقييم الأثر البيئي». بينما واجب الوزير أن يكون حريصاً على الملك العام أولاً لا على من يدعي أن البحر ملكه، عبر القول غداة اجتماع لجنة البيئة إن «المياه بفعل العوامل غمرت جزئياً بعض العقارات»، من دون الأخذ في الاعتبار أن الطبيعة ترمّم نفسها، والمرجّح أن البحر استعاد ما هو حقه ممن عمد إلى تخريبه لا العكس. وحتى إن صحّ ادعاء تعدّي البحر على الأراضي وهو ادّعاء مثير للسخرية، فإن القانون 144/1925 يحدد كل ما تشمله الأملاك العمومية ومن ضمنها «شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى». وبالتالي، عندما يطغى الموج على أي مساحة، تُعتبر تلقائياً ملكاً عاماً ويتيح القانون استملاكها في حال أثبت أي كان حقوق ملكيته عليها عبر منحه تعويضاً عادلاً. والعدالة هنا تتحقق جراء دفع تعويض للمالك مساوٍ تماماً لرسم الإشغال المحدد من وزارة الأشغال وهو عبارة عن 40 دولاراً للمتر المربع في منطقة الدامور. فالأرض المُتعدّى عليها هناك تتضمن سكة حديد تفرض التراجع عنها 6 أمتار و20 متراً عن البحر، ما يجعل العقارات غير صالحة للاستثمار ويخفّض من قيمتها.
خلصت لجنة البيئة النيابية إلى أن البحر في الدامور والناقورة يتعدّى على الشاطئ
من الدامور إلى الناقورة حيث تعدّى البحر أيضاً على العقار الرقم 93/ اسكندرون وغمره بالمياه فطلب صاحبه نور الخوري رخصة من وزارة الأشغال لاسترداده عن طريق الردم. الغريب أن الرخصة التي تسمح لخوري بردم البحر بالصخور وبلوكات الباطون، تطلب منه من جهة أخرى المحافظة على البيئة البحرية والشاطئ! علماً أن الناقورة مصنّفة موقعاً طبيعياً، ما يعني أنه من غير المسموح المسّ بأي صخرة في تلك المنطفة لعدم ضرب موقعها وطبيعتها والتنوع البيولوجي. وبحسب صور الأقمار الاصطناعية، يظهر بوضوح أن البحر في الناقورة لم «يتقدّم ويقضم الشاطئ»، بل الشاطئ هو الذي تمدّد عن طريق ردم البحر، وكان يفترض بمانح الرخصة في وزارة الأشغال التحقق من التراخيص والخرائط قبل الشروع في تدمير البيئة البحرية.
وزير الأشغال العامة استدرك الخطأ وأصدر قراراً موازياً بوقف الأعمال في الدامور والناقورة وسحب التراخيص من أصحابها، إلا أن هذا الاستدراك جاء متأخراً، فالبحر قد جرى ردمه وتم اقتطاع امتداد الشاطئ والإطاحة بكل القوانين، والأهم أن المرتكب حقّق هدفه ومُنح أسباباً تبريرية. فالخطير في الموضوع هو أن تنعقد لجنة البيئة النيابية لرفع المسؤوليات عن الوزارات المعنية وتتبنى نظرية المتعدّين بأن البحر «أكل» أرضهم. ما كان ينقص الحاضرين سوى إعلان سوق البحر إلى المحكمة.
رلى إبراهيم – الاخبار