لبنان حاضر في دمشق: جبران باسيل شريك مستقبلي والتسوية الاقليمية ستعالج الفوضى

كتبت صفاء درويش في “السياسة“:

منذ زمن يغيب الملف اللبناني عن دمشق، حيث تنأى العاصمة السورية بنفسها عن المشهد اللبناني، واقفةً على مسافة واحدة من الصراع الداخلي القائم.

في السنوات الأخيرة، وبعدما كانت الحرب قد حطّت أوزار معظم معاركها، واتضح أن الموازين قد رجّحت كفّت النظام، سعى البعض خصوصًا في فريق 8 آذار (ممن لم يقاتلوا إلى جانب الجيش السوري) إلى إعادة التواصل مع دوائر القرار، وتحديدًا قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، إلّا أنّ الرد لم يكن على مستوى الآمال لتُفهم الرسالة: “من انتظر حسم المعارك ليحسم موقفه ليس مرحب فيه عندنا”.

هذا قبل العام 2021. اليوم أتت التسوية إلى الشرق الأوسط، وبات لزامًا أن تمرّ بدمشق، كما مرّ بها الإحتدام واستوطن. التسوية الأميركية في المنطقة انسحبت على مصالحة سورية عربية كبيرة، كان قوامها اعادة فتح عدد من السفارات وآخرها سيكون السفارة السعودية.

المصالحة السورية السعودية ستحمل بدورها حلحلة وترحيل لعدد من الملفات، قد يكون الملف اللبناني أحدها، حيث تشير المعلومات أن السنتين المقبلتين ستشهدا تفعيلًا للسين السين بتفويض أميركي روسي، يعود من خلاله السوريون والسعوديون إلى قبضة التحكّم بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، ولكن هذه المرة دون قوات ردع ودون حاجة لأي تدخل مباشر. الخطوط العريضة والإستراتيجية ستكون هي مسار التواصل، إن كُتب لهذه التسويات أن تنجح.

مصدر سياسي سوري رفيع يقرأ فيما يحصل على الساحة اللبنانية معتبرًا أن سياق الأحداث لا بدّ أن يوصل لفوضى مصغّرة تولد من بعدها مسارات الحلول. يرى السوريون أن في لبنان ثلاثة أطراف سياسية قائمة لا بدّ أن تتصارع لتولد سلطة ما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة في 2022.

الأولى تجمع تيار المستقبل وحركة أمل والحزب الإشتراكي ومعهم قوى ما بعد الطائف إضافة لعدد من التنظيمات الناشئة وغير الوازنة التي ظهرت بعد 17 تشرين 2019. الثانية تضم حزب الله، أمّا الثالثة فتضم التيار الوطني الحر وقوى صامتة تمثّل مشروع بناء الدولة الفعلي.

يقول بأن القيادة السورية ترى فعليًا أن أدوار البعض آيلة للإنتهاء، ولا يمكن أن تكون موجودة في الدولة الجديدة التي قد يبنيها اللبنانيون بأنفسهم.

لم يجمع السوريون حزب الله والتيار الوطني الحر في إطار سياسي واحد، لسبب بسيط هو ولأن حزب الله، بنظرهم، لا يملك قرار حسم موقفه من الآخرين، وهو يسعى لتسيير الأمور على طريقة “بالتي هي أحسن”، فيما التيار واضح في عناوينه الداخلية ومشروعه.

وبعيدًا عن العلاقة العاطفية التي تربط القيادة السورية بحزب الله، نتيجة الشراكة في المعارك والدماء والإستراتيجيا في مواجهة اسرائيل والإرهاب على السواء، يكشف المصدر أن الرئيس بشار الأسد يعوّل جدًا على شخصية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كشريك مستقبلي في المنطقة، لا يشبه أقرانه من رؤساء الأحزاب والكتل في لبنان، وأنّ رؤيويته عزّزت من حضوره الإقليمي رغم الحرب الشعواء التي يتعرض لها من الداخل والخارج.

يعتبر المصدر أن هناك اليوم من يصعّد من مواقفه ويدفع الحالة السياسية نحو التأزيم بهدف الحفاظ على مكانة ما في مشهد ما بعد التسوية، جازمًا أنّ أي مبادرة عربية لن تخرج اليوم تجاه لبنان، حيث من الأفضل أن تشكّل حكومة تسيّر الأمور عكس التعقيدات التي يصطنعها البعض اليوم.

هذا وتكشف المعلومات أنّ لبنان لن يبقى معزولًا في الأشهر المقبلة، اذ إنّ موافقة سياسية عليا تحصّلت عليها عدد من الشركات الروسية من موسكو، كي تتوجه إلى بيروت عارضة على حكومته سلسلة من المشاريع أهمها انشاء مصفاة للنفط، وتأهيل مرفأي بيروت وطرابلس واقامة نفق البقاع وتأهيل سكة الحديد. هذا المشروع الذي قد ينقل لبنان من حال إلى حال ينطلق من نظرة روسية اقتصادية الى لبنان، أساسها أن البلد واقتصاده يقعان ضمن الأمن القومي الإقتصادي الروسي، الذي يجب أن يبقى محصّنًا، وعليه ولدت هذه الإقتراحات التي ستتحول إلى مشاريع مقدّمة للدولة اللبنانية انطلاقًا من الوجود الروسي في سوريا.

ترحيل الدول الكبرى ملف لبنان لسوريا والسعودية قد يساهم بإعادة الإستقرار السياسي، الذي قد يحمل معه مشاريع روسية هدفه ربط الساحل اللبناني بالعمق السوري مع تأمين استقرار نقدي واقتصادي في الداخل اللبناني، فهل سيحسن اللبنانيون التعاطي مع المتغيّرات؟