كل يسعر المواد الغذائيه على هواه

تفلّتت الأسعار بلا قيود ولا ضوابط، ويتصرّف التاجر حيالها بمنطق صاحب الرأي والشورى، يسعّر كيفما يشاء ولا يقيم وزنًا إلا لربحه. حقيقة واحدة يمكن استنتاجها من مجمل ما يجري: لقد أصبحنا في زمن اللا دولة.

تمحورت خطب الجمعة في معظم مناطق الشمال حول موضوع الرحمة المفقودة بين الناس؛ و”كيف أن من احتكروا تمثيل عكار وطرابلس والشمال النيابي والسياسي، تركوا هذه المناطق اليوم لقدرها ومصيرها المجهول، ولو كان موعد انتخابات يأتون إلينا لاستحصال أصواتنا”. في المقابل، لا يترك الآباء في كنائسهم مناسبة إلا ويذكّرون الناس بضرورة الترحّم والتعاون والصبر في هذه الظروف الصعبة؛ والتركيز على الأداء السياسي الذي لا يرتقي إلى مستوى الناس وآلامها.

زيارة السوبرماركت في الشمال صارت هي الشرّ الذي لا أحد يتمنّاه ولكن لا بدّ منه. إلا أن ما تشهده محلات المواد الغذائية والتموينية والسوبرماركت في طرابلس وعموم الشمال من غلاء لامس حدود اللامعقول وفاق الخيال، جعل الناس تشعر أنّ يوماً ما لن يعود بمقدروهم حتى أن يأكلوا، بات هذا اليوم قريباً وقريباً جداً. بعد آخر صعود شهده سعر صرف الدولار ووصل إلى 23 ألف ليرة لبنانية، أقفلت محلات السوبرماركت في طرابلس ومناطق الشمال وأجرت تعديلاً على الأسعار للمواد على رفوفها أو في مخازنها، تقول إنه تعديل اضطراري حتّمه ارتفاع سعر الصرف حتى لا يتكبّد التجار خسائر كبيرة؛ بينما يقول المواطن إنه ارتفاع غير مقبول لامس حدود سرقته.

يقول مازن مرعي في منشور على الفيسبوك: “لا أدري ماذا يحصل في السوبرماركت والتعاونيات فالغرض الذي كان بـ 10 آلاف قبل يومين أصبح الآن بـ 30 ألفاً… إذا ارتفع الدولار ألفين بترتفع الأسعار 20 ألفاً”؟

ولاستطلاع الأوضاع عن كثب والوقوف على حقيقة ما يجري كان لا بد من جولة على أكثر من تعاونية وسوبرماركت منتشرة في مناطق الشمال. وتبيّن:

أولًا: البضائع على الرفوف بعضها عليها تسعيرات والبعض الآخر من دون تسعير، بينما تجد العامل يتجول بين الرفوف والستاندات يغيّر ملصقات الأسعار أولاً بأول، حتى بوجود الزبائن.

ثانياً: أغلب محلات السوبرماركت التي تضع بين الستاندات ماكينة تسعير إلكترونية لقراءة الـ barcode قامت بتعطيل هذه الماكينات لكي يضطر الزبون للشراء، وعند الحساب يتفاجأ بالسعر من ضمن لائحة طويلة عريضة لا يمكنك أن تقاومها بشكل أو بآخر.

ثالثاً: إن ارتفاع الأسعار يحصل بشكل جنوني؛ ومن دون أي نوع من أنواع الرقابة على التجار من قِبل وزارة الإقتصاد. فكل تعاونية تسعّر على هواها؛ حتى أن أسعار نفس المادة أو المنتج تختلف من محل إلى آخر ولكن الجميع مجمعون على نقطة واحدة هي الغلاء الفاحش وكي جيوب الناس وقلوبها.

رابعاً: هل يُعقل أن ارتفاع الدولار ألف ليرة أو ألفين، يجعل المنتج يقفز سعره بين ليلة وضحاها من 10 إلى 20 ألفاً أو أكثر؟ ولو فرضنا أن ذلك صحيح فلماذا لا يعود سعر هذا المنتج وينخفض عند أي انخفاض يحصل لسعر صرف الدولار؟ يبرّر التجار هذا الأمر بأن الزيادة تكون أقله بمقدار ألف ليرة أما تراجع الدولار فيكون بأحسن الأحوال مئة أو مئتين. وهنا لا بد من سؤال لهؤلاء التجار يسأله عامة الناس “إذا كانص هبوط سعر صرف الدولار مئتي ليرة غير جدير بأن يدفعكم إلى تخفيض الأسعار فلماذا عند كل زيادة للدولار ولو بمئة ليرة ترفعون أسعار السلع الغذائية والمواد بشكل تلقائي”؟

على أن المصيبة الأكبر هي عند المحلات في المناطق الشعبية وداخل القرى والتي ليس لديها لا barcode ولا سواه وتسعّر على هواها وترفع الأسعار بشكل يومي من دون حسيب أو رقيب. اشترى أحد المواطنين في عكار من محل بالقرب من منزله غالون ماء سعة 10 ليترات من صناعة المنطقة بسعر 10 آلاف ليرة صبيحة اليوم… ثم عاد واشترى نفس الغالون من المحل في المساء فباعه له بـ 12 ألف ليرة!

أمام كل هذه الفوضى وأمام هذا الواقع نسأل مع المواطن المكتوي: من يضبط تفلّت الأسعار؟ ومن يكبح جماح التجار ويضع حداً لكل ما يحصل من فوضى؟ هل استقالت الدولة وتركت كل تاجر يفتح دولته الخاصة؟ من يحمي المواطن بعدما باتت لقمة عيشه أغلى أمانيه؟