بطاقة التمويل لن تشمل العائلات التي يزيد متوسّط دخل الفرد فيها على مليونَي ليرة

كتبت صحيفة ” الأخبار ”  :

مشروع بطاقة الدعم المالي سلك طريقه نحو اللجان المشتركة، لكنّ أحداً لم يعلن حتى اليوم من أين تموّل هذه البطاقة. ‏عملياً، لا مصدر سوى الاحتياطي الإلزامي، إلا أن الكتل النيابية لا تزال تتحفّظ على هذا الخيار أسوة بمصرف لبنان. ‏ما تقدّم ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه المشروع. تحديد الأسر المستفيدة، وفق الآلية التي وضعت، يحتاج إلى أشهر ‏طويلة ليُنفّذ، أضف إلى أنه لن يكون قادراً على تعويض إلغاء الدعم. تريد الحكومة من البطاقة أن تتحول إلى برنامج ‏جديد للأسر الأكثر فقراً، مفترضة أن هذا الوصف ينطبق على ثلثي اللبنانيين (750 ألف عائلة). لكنها في المقابل، ‏تعتبر أن من يتقاضى راتباً يفوق المليونَي ليرة، أو من لديه معيل في الخارج، ليس أهلاً للبطاقة‎!‎

بعدما أحال رئيس الجمهورية ميشال عون مشروع قانون البطاقة التمويلية إلى مجلس النواب، لم يتأخر الرئيس ‏نبيه بري في تحويله إلى اللجان المشتركة لدرسه. مع ذلك، فإن هذا المسار لن يكون سهلاً، بحسب مصادر ‏المجلس. وبالرغم من أن المشروع لا يحتمل التأجيل، فإن اللجان لن تبدأ بدراسته فوراً، “نظراً إلى اكتظاظ جدول ‏أعمالها”، بحسب مصادر المجلس. هذا ما اعتبرته مصادر نيابية إشارة واضحة من رئيس المجلس إلى أنه “مش ‏ماشي الحال”، والمشروع بصيغته الراهنة سيكون محل خلاف كبير. لكن مع ذلك، تجزم المصادر أن المجلس لن ‏يكون قادراً على “تطنيش” المشروع لفترة طويلة، كما لن تكون الكتل النيابية قادرة على إشهار رفضها للبطاقة، ‏حتى لو كان موقفها نابعاً من أسباب موضوعية، أبرزها عدم وجود تمويل واضح لها‎.

وهي مشكلة يُتوقع أن تبقى حتى بعد إقرار المجلس للقانون. فالقيمة الفعلية للبطاقة هي نحو ألف و200 مليون ‏دولار، وهذا يقارب 15 ألف مليار ليرة، وليس 1800 مليار ليرة كما جاء في المشروع. لذلك، فإنه لا بديل سوى ‏بموافقة مصرف لبنان على تحويل هذا المبلغ إلى الدولار وفق السعر الرسمي، إلا إذا كان البديل تحويل البطاقة إلى ‏الليرة، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية الوصول إلى حالة التضخم المفرط. من أين يأتي المصرف المركزي بالأموال، ‏إذا لم يكن من الاحتياطي، الذي تزعم الكتل رفضها المس به، رغم أنها سكتت عن إهدار ودائع بعشرات مليارات ‏الدولارات؟ تلك دائرة مغلقة ستكون بلا حل، وخاصة أن سلامة أيضاً يرفض المس بالاحتياطي بحجة حماية ‏أموال المودعين، فيما كل التقارير الآتية من الوكالات الدولية تؤكد أنه يتم حالياً السحب من الاحتياطي. أضف إلى ‏ذلك أن رئيس الحكومة يذكر أنه سبق لسلامة أن أبلغه أنه يمكن الصمود حتى نهاية آخر قرش في الاحتياطي. ‏بالنتيجة، فإن المسؤولية، وبعدما تقاذفها الجميع، يفترض أن تصل إلى مصرف لبنان. إذا وافق على تمويل ‏البطاقة، فسيكون هو من مسّ بأموال المودعين، وإذا رفض فسيتحمّل مسؤولية فشل مشروع البطاقة، وبالتالي ‏تحمّل تبعات ترشيد الدعم من دون وجود بديل. وهو ما يتجنبه سلامة بشدة. يبقى احتمال أن يتفق الجميع في ‏المجلس على تغطية الصرف من الاحتياطي الإلزامي، أو تحويل عملة البطاقة إلى الليرة، مع ما يعنيه ذلك من ‏مخاطر على سعر الصرف والتضخم‎.‎

ذلك جانب من المشكلة، لكن المشكلة التي لا تزال الحكومة تسعى إلى حلها، هي مشكلة تحديد الأسر التي يحق لها ‏الاستفادة من البطاقة. فحتى لو أقرت البطاقة ووجد التمويل لها، ليس واضحاً كيف سيتم تحديد الأسر الـ 750 ألفاً ‏المستهدفة بالبطاقة. وبالرغم من عدم وجود إحصاء دقيق لعدد الأسر اللبنانية، إلا أنه يرجح أن تغطي البطاقة نحو ‏‏75 في المئة من الأسر. لذلك، سبق أن اقترح سلامة، بدلاً من وضع معايير للأسر المستحقة تحتاج إلى وقت ‏طويل لتحضير لوائح بها، أن تكون البطاقة حقاً لكل اللبنانيين، مع افتراض عدم تقدم نحو 20 إلى 25 في المئة ‏منهم للحصول عليها. إلا أن اللجنة الوزارية لم تسر بهذا الاقتراح، بل سعت إلى وضع معايير للأسر المستحقة ‏وتلك التي لا تستحق‎.

ذلك الاقتراح يؤكد أن اللجنة الوزارية لا تعرف ماذا تفعل. عدد الأسر المستهدفة يوحي أنها تسعى إلى تأمين الحد ‏الأدنى من الاستقرار المعيشي لمن خسروا قدرتهم الشرائية، وسيخسرون قدرتهم على تأمين حياة مستقرة لأسرهم ‏بعد رفع الدعم. لكن ما يتضح هو السعي إلى التعامل مع ثلثي اللبنانيين بوصفهم من فئة الأكثر فقراً، الواجب ‏إعانتهم. يتجاهل هذا المنطق أن رفع الدعم سيضرّ كل الأسر المتوسطة الدخل، ما يؤدي إلى شلل كامل في ‏الاقتصاد. يكفي أن رفع الدعم عن البنزين سيعني حاجة مالك أي سيارة إلى ما يزيد على مليون ليرة فقط للتنقل بين ‏المنزل والعمل. وإذا ما أضيف إليها كلفة مولد الكهرباء وكلفة السلة الغذائية (قدرت كلفتها بـ 430 ألف ليرة شهرياً ‏لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص، فيما كيلو اللحم بـ 120 ألف ليرة!) وكلفة الطبابة والاستشفاء والتعليم ‏والتدفئة…، فإن خمسة ملايين ليرة لن تكون كافية لإعالة عائلة من خمسة أشخاص. لكن مع ذلك، ذهبت الحكومة ‏إلى قراءة توحي أنها منفصلة تماماً عن الواقع، فمسودة الاستمارة التي وضعت لتحديد مستحقي البطاقة تصلح ‏للتطبيق على برامج إعالة الأسر الأكثر فقراً، وليس لاستبدال دعم المواد الأساسية ببطاقة يفترض أن تعوض هذا ‏الدعم. ولذلك، تضمّنت المسودة عوامل تسقط حق الحصول على البطاقة المسماة “معك” وتطلب من كل من ‏تنطبق عليه المواصفات التالية عدم ملئها‎:

‎- ‎إذا كنت ميسوراً وبإمكانك تغطية النفقات الأساسية لعائلتك‎.
‎- ‎إذا كان لدى عائلتك أفراد يعملون خارج لبنان‎.
‎- ‎إذا كان معدّل دخل الفرد في العائلة يفوق المليوني ليرة‎.
‎- ‎إذا كان مجموع الأموال في الحسابات المصرفية للعائلة يفوق 100 مليون ليرة‎.
‎- ‎إذا كان عدد السيارات للعائلة الواحدة يفوق السيارة الواحدة‎.
ومن اللافت أن الاستمارة تطلب أيضاً معرفة عدد الرحلات الخارجية خلال 2020، بالإضافة إلى تفاصيل تتعلق ‏بعدد غرف المنزل وحتى عدد الحمامات ونوع الضمان الصحي ودرجة التحصيل العلمي‎.

بهذه الشروط، كيف يمكن لعدد الـ 750 ألف عائلة أن يتحقق؟ هل وجود متعلمين في الأسرة أو مغتربين يعني أن ‏هذه الأسرة قادرة على دفع ثمن صفيحة البنزين 150 ألف ليرة؟ وهل وجود سيارتين في عائلة مؤلفة من خمسة ‏أشخاص، في ظل غياب تام للنقل العام، كاف لاعتبار الأسرة قادرة على شراء علبة دواء الالتهاب بـ 100 ألف ‏ليرة؟‎
كل ذلك يظهر أن الحكومة لا تريد استبدال الدعم على السلع بدعم مالي، بل تريد أن توسع برنامج دعم الأسر ‏الأكثر فقراً ليشمل أغلب اللبنانيين، فقراء ومتوسطي الحال. وهذا إقرار بأن من يقبض مليوني ليرة هو صار من ‏الفقراء المدقعين، ما يطرح السؤال عن ضرورة تعديل الحد الأدنى للأجور الذي لم يعد يكفي ثمناً لاشتراك في ‏كهرباء المولد‎.

مسودة الاستمارة حُوّلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لوضع ملاحظاتها عليها، فاختصرت الأسئلة وتنبهت إلى ‏وجوب شمول مكتومي القيد بالمشروع. كما فصلت شرائح الدخل ونوع العمل وقطاع العمل. إضافة إلى وضعها ‏تعريفاً للأسرة، من دون أن تحدد من يستحق ومن لا يستحق الحصول على البطاقة‎.

هذا مع العلم بأن المدير العام للوزارة أحمد عبد الله كان قد اقترح على رئيس الحكومة وعلى وزير الشؤون ‏الاجتماعية اعتماد لوائح الشطب في إطار تحديد الأسر. كما طالب بأن يترافق رفع الدعم مع استراتيجية اقتصادية ‏قصيرة وطويلة الأمد، وليس دفعة واحدة، مع عدم رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية. وأوضح أن اعتماد لوائح ‏الشطب يجب أن يواكبه خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر تنظيف البيانات وعقلنة المشروع ليستهدف من ‏يستحق. وتبدو لافتة إشارة عبد الله في الكتاب إلى “أننا لا نفرق بين غني وفقير في الحقوق والأعباء العامة، ‏وبالتالي لا بد من أن يكون الدعم للأسر المتوسطة الدخل والميسورة حتى لا يتم القضاء على آخر إمكاناتها عند ‏رفع الدعم‎”.

حتى اليوم، لم يحصل أي تطور. وحتى لو استعين بالاستمارة المعدلة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن ‏إنجاز لوائح المستفيدين سيحتاج إلى أشهر طويلة، وربما إلى سنوات، لإنجازها. فهي أقرب إلى سجل اجتماعي، ‏وليس فقط لوائح مستفيدين من بطاقة دعم. يكفي معرفة أن الوزارة نفسها لا تزال حتى اليوم غير قادرة على حسم ‏عدد الأسر الأكثر فقراً، والذي لا يزيد على 50 ألف أسرة، كما لم تحسم لائحة المستفيدين من قرض البنك الدولي ‏‏(شبكة الأمان الاجتماعي)، والتي تستهدف 161 ألف أسرة‎.‎