الخبز المرقوق (الصاج) عاد الى عزّه في العرقوب .

فرضت الأزمة الاقتصادية والمعيشية نفسها على ربّات المنازل، في مختلف قرى العرقوب في قضاء حاصبيا. فقد أُجبرن على استعادة عادات جداتهنّ في زمن القلّة، وأولّها خبز الصاج الذي يُحضّر في البيوت.

وجعلت عوامل عدة مستجدة من الخبز المرقوق، الصنف الأفضل للاستهلاك، في ظلّ انقطاع الكهرباء والمواد الأساسية، كما كان الوضع قبل عقود. وعلى حدّ تعبير أم علي العقيبة، التي تتشارك وقريبتها أم يوسف الخَبْز حول موقدة واحدة، فإن «المرقوق يبقى طازجاً لفترة أطول، ولا يحتاج للتبريد للحفاظ على جودته وطعمه».

في الواقع، اتفقت أم علي وجاراتها على إعانة بعضهنّ البعض في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، كما كانت تفعل جداتهنّ من ناحية تبادل الطعام و الأغراض. وهي تؤكد: «نمرّ بأيام صعبة، ونحن بحاجة للوقوف إلى جانب بعضنا. كل واحدة منا تعلّم جارتها طريقة للتوفير، إن كان في الأكل أو المونة أو غيرها».

غير أن هناك مشكلة في تأمين لوازم تحضير العجين، وعلى رأسها الطحين الأبيض، الذي وصل سعر الشوال منه إلى نحو 150 ألف ليرة ، «إن وُجد»، بحسب أم اسماعيل القادري.

أم اسماعيل سيدة ثمانينة، تنتظر قدوم بناتها إلى كفرشوبا ليساعدنها في تحضير العجين وخبزه: «العجين بحاجة إلى خلطة من الطحين الأسمر البلديّ والأبيض، ليكون الخبز طرياً، مع إضافة السكر والملح و الزيت. والبعض، وفقاً لإمكاناته، يضيف طحين الذرة».

ولدى أم اسماعيل، التي عاشت جلّ عمرها على وقع الحروب والاحتلال الاسرائيلي، خبرة في إدارة الأزمات. وهي اعتادت على شراء حاجتها بكميات تكفي لأطول فترة ممكنة، تحسّباً للأيام الصعبة.

لطالما كان لخبز الصاج نكهته الخاصة. وها هي تعود إليه اليوم، بدءاً من تحضير العجين وتخميره وتقطيعه وتجهيز الحطب، وموقد الحطب، و«الطبلية» التي يُرقّ عليها العجين، وصولاً إلى«الكارة» التي يُمدّ عليها العجين. أما طريقة الخبز، فتحتاج إلى مهارة وخفّة، وخبرة من النسوة اللواتي يخبزن الرغيف حتى يصبح ذهبيّ اللون.

فأم محمد يحيى مثلاً، التي ورثت الصاج عن والدتها، عادت اليوم تستحضر الذكريات، يوم كانت تجلس قبالتها لتتعلم منها الخبز وتساعدها، تدعو اليوم شقيقاتها وأفراد من العائلة لمشاركتها وعائلتها عصرونية حول الصاج، حيث فطائر الزيت والزعتر واللبنة والكشك والبطاطا حاضرة إلى جانب الخبز.

في السياق، تشير أم محمد إلى أن «الهدف من ذلك ليس استعادة ذكريات من الزمن الجميل والعفويّ، القائم على التعاون والمحبّة والألفة فحسب، إنما أيضاً هي محاولة لتجديد وتنشيط ما تعلّمناه في الصغر عن طريق خبز الصاج، لأن الأمور توحي بأن هنالك عودة إلى الجذور، نظراً إلى ما يحصل في البلد من أزمات متلاحقة، باتت تطاول كل شيء، وأبسطها… رغيف الخبز».