البحث عن رئيس مكلف جديد

 

أسبوع كامل مرّ على إعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة. رئيس الجمهورية ميشال عون دعا لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة الاثنين المقبل. الاجواء ضبابية، ولا اسم محسوما حتى الساعة لتشكيل حكومة جديدة. ولعلّ ما اعتادت عليه السياسة في عهد الرئيس عون هو  الاتفاق على كل شيء قبل اتخاذ القرار، وإلا التأجيل سيّد الموقف. هذا ما كانت تشهده جلسات مجلس الوزراء، وجلسات البرلمان، وحتى تسمية الرئيس المكلف. والجدير بالذكر أن هذه ليست المرّة الاولى التي يدعو فيها عون للاستشارات الملزمة من دون الاتفاق سلفا على رئيس الحكومة، فكان يؤجل موعد الاستشارات ريثما يتم الالتفاف حول شخصية سنية تنال العدد الكافي من الاصوات.

لا يزال تيار “المستقبل” حتى اللحظة غير داعم لشخصية تقوم بالمهمة التي دفعت الحريري للاعتذار، وخصوصا وإن رؤساء الحكومات السابقين لم يرشحوا رسميا بعد أحدا منهم لتولي تشكيل الحكومة. الحريري مصرّ، وفق ما تؤكد مصادره على أنه لن يتدخل بالتسمية ولن يدعم أي مرشح، وسينتقل إلى صفوف المعارضة. في المقابل، يفضل رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحتى رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الذي تشهد علاقته مع الحريري “طلعات ونزلات”، أن يسمّي رئيس تيار “المستقبل” الشخصية السنيّة لتشكيل الحكومة، لتأمين الغطاء السنّي لها في المرتبة الاولى، وعدم تكرار تجربة حكومة حسان دياب.

ما “التيار الوطني الحر”، وبالرغم من كل ما يُنقل عن رئيسه النائب جبران باسيل بالتسويق لشخصيات معيّنة لترؤس الحكومة المستقبلية، فإنه لا شي محسوما أيضا بعد من جهته، وهو يصطدم بعائق “حزب الله”، ويتوجب عليه الحذر باختيار الشخصية التي يريد تسميتها، كي لا يستفز حليفه الشيعي، وينال دعمه في الوقت نفسه لايصال الاسم الذي يريده إلى سدّة الرئاسة الثالثة.

في الشكل، كما هو واضح، فإن رئيس الجمهورية يتجه لتأجيل الاستشارات، لكنه قال يوم أمس عبر تغريدة عبر “تويتر”: “حسماً لأي اجتهاد او إيحاء، فإنّ الإستشارات النيابية ستجري في موعدها، وأي طلب محتمل لتأجيلها يجب أن يكون مبرراً ومعللاً”. ترك عون المجال لتأجيل الاستشارات، والبحث حاليا يدور حول السبب المقنع الذي سيدفع التكليف للتأجيل، إن لم تُحسم هوية الرئيس الذي سيُشكل الحكومة في اليومين المقبلين.

لا توافق بعد على الشخصية السنّية التي ستشكل حكومة الانقاذ ومعالجة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة. وفي انتظار مرشح بري من جهة، ومرشح فريق “العهد” من جهة ثانية، إذا قرر رئيس البرلمان دعم اسم شخصية من رؤساء الحكومات السابقين، فإن الرئيس المكلف سيحصل على أصوات “المستقبل” الـ18 حكما، بالاضافة إلى 17 صوتا من نواب “التنمية والتحرير” وكتلة “اللقاء الديمقراطي” بـ7 نواب، وبالتأكيد أصوات كتلة “الوسط المستقل” الثلاثة، ويُضاف إليها نواب “المردة” وفريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني والرئيس تمام سلام ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي. وباحتساب الاصوات سينال المرشح 52 صوتا. وإذا كانت الشخصية هي الرئيس نجيب ميقاتي، فمن الممكن أن تصبّ أصوات كتلة “الوفاء للمقاومة” لصالحه بعد التنسيق مع بري لسبب معيّن، وهو رفض تقديم هديّة مجانية للعهد عبر المرشح الذي يفضله. فيرتفع عندها عدد النواب إلى 65.

وأيضا في عملية حسابية، يعمل فريق العهد على إيصال مرشحه لرئاسة الحكومة. وفيما لا يزال الاسم قيد التداول لتأمين أصوات النواب له، فإنه على الارجح سيأخذ أصوات تكتل “لبنان القوي” الـ17، الوفاء للمقاومة اذا كان الاسم لا يستفز “حزب الله” بـ13 نائبا، اللقاء التشاوري بـ4 نواب و3 نواب من “القومي”، وكتلة “ضمانة الجبل” برئاسة النائب طلال ارسلان بالاضافة إلى ثلاثة نواب معه، أي ما يعادل 41 صوتا لمرشح العهد. وفيما أكدت “الجمهورية القوية” خروجها من السباق الحكومي، تبقى الانظار باتجاه النواب الارمن الخمسة والنواب المستقلين لمن سيصوتون.

ولكن، يجب التوقف عند نقطة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية. فعند كل أزمة حادّة، كان الرئيس نجيب ميقاتي هو رئيس الحكومة الذي يمتص غضب الشارع ويعيد الهدوء السياسي بين الافرقاء. فبالعودة إلى العام 2005، وما تبعه من اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستقالة حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، والانقسام السياسي والشعبي بين معارض ومؤيد لسوريا، نجح الرئيس ميقاتي في تشكيل حكومته، وإجراء الانتخابات النيابية التي عرفت الحلف الرباعي بين “حزب الله” و”أمل” و”المستقبل” و”الاشتراكي”، وأنتجت حياة سياسية جديدة أعادت للبنان الهدوء، قبل أن تنفجر الازمة السياسية من جديد بين حكومة السنيورة و”الوطني الحر” و”حزب الله” واندلاع حرب تموز 2006. 

وبرهن الرئيس ميقاتي مرّة جديدة أنه رجل الوفاق والاعتدال والانقاذ، عندما شكل حكومته الثانية في العام 2011، بعد علاقة متوترة جدا سياسيا بين الحريري وعون و”حزب الله”، أفضت إلى استقالة حكومة الاول بعد انسحاب وزراء “أمل” و”التيار” و”الحزب” من حكومته، وسفره إلى الخارج بعدها.

وفي حين يصر المجتمع الدولي، ويضغط لتشكيل حكومة قبل تاريخ الذكرى الاولى لانفجار الرابع من آب، وقبل مؤتمر الدعم الفرنسي للبنان، دخلت العقوبات الاوروبية المسار القانوني، وستُفرض في القريب العاجل على معطلي الحلول السياسية، ومعرقلي الاصلاحات. ووفق مصادر، إذا تعذر تشكيل حكومة جديدة، فالتوجه نحو تعويم حكومة تصريف الاعمال، أو الاتيان بحكومة إنتخابات، تعدّ العدّة لحياة سياسية جديدة في البلاد.