احذروا… منصة “صيرفة” فهي “ثقب أسود”.. فيها محاذير كثيرة !!

الدولار

احذروا… منصة “صيرفة” فهي “ثقب أسود”..  فيه محاذير كثيرة !!

كتب عماد الشدياق….

“مش محرزة”… هي الخلاصة التي كان يخرج بها كلّ حامل دولارات طامح إلى الاستفادة من منصّة “صيرفة“. إذ كان الفرق بين سعر صرف المنصّة وسعر “السوق السوداء” لا يتعدّى 3 آلاف ليرة. لذا كانت الهواجس تُوقف الطامح، فيفكّر ويدرس المحاذير، ثمّ يخرج بتلك العبارة وينكفىء.

أمّا تلك المحاذير فهي:

1- ألّا يرتفع سعر الصرف في “السوق السوداء” ولا يتمكّن الطامح من الاستفادة من “صيرفة”، خصوصاً أنّ الفترة التي تضعها المصارف لإتمام العمليّة تراوح بين يومين و4 أيّام عمل.

2- ألّا يفي المصرف بوعوده، فلا يعيد إليه الليرات بعدما حوّلها من دولارات إلى ليرات، بحجّة توقّف “صيرفة” أو نضوب “الكوتا”، خصوصاً إذا تراجع سعر الصرف في السوق السوداء، فيصاب بخسارة.

3- ألّا يستطيع إنجاز تلك العملية في وقت قياسي نتيجة الزحمة المخيفة على أبواب المصارف كلّ يوم.

4-ألّا ينجو من سطو أثناء حمله كميّات الدولارات أو الليرات والانتقال بها من البيت إلى الصرّاف وبالعكس، خصوصاً أنّ حجمها ونقلها بالشنط أو الأكياس البلاستيكية يكشفان صاحبها.

منصّة “صيرفة” Delivery

بدأت هذه الهواجس بالتبدّد اليوم نتيجة ارتفاع سقف “صيرفة” للأفراد إلى حدود 500 مليون ليرة، وارتفاع سعر الصرف في “السوق السوداء” إلى ما فوق 44 ألف ليرة، أي ارتفاع الهامش بين السعرين نحو 6 آلاف ليرة، وخصوصاً بعدما أوجدت بعض فروع المصارف، بالتعاون مع عدد من الصرّافين، الحلّ السحري لهؤلاء المتوجّسين: منصّة “صيرفة” Delivery.

أصبحت خدمة المنصة “ع الطلب”: يكفي أن تصل إلى البنك وفي جيبك الدولارات كي يتكفّل بعض الصرّافين داخل المصرف بباقي التفاصيل.

طبعاً هذه الخدمة، التي يقدّمها الصرّافون وبعض المصارف، (ليس كلّها) ليست بدافع حبّ العميل، ولا من باب الحسنة لوجه الله، بل بدافع الترغيب من أجل الحصول على عمولة تراوح وفق المصرف بين 4% و6% (نصفها على الإيداع بالليرة ونصفها على سحب المبلغ بالدولار).

يقول أحد المواطنين من الذين استفادوا في الأيام الماضية من المنصة لـ”أساس” إنّه اتّصل بالبنك وأطلعه على هواجسه، فعرض عليه موظّف الفرع أن يأتي إليه ويتكفّل هو بصرفها له داخل الفرع عن طريق أحد الصرّافين. وبالفعل حضر العميل إلى المصرف وفي جيبه 4,000 دولار، فصرفها له الصرّاف بـ168 مليوناً (على سعر 42 ألفاً)، ثمّ أعاد المصرف له المبلغ 4,245 دولاراً.

كان يُفترض بالـ4,000 دولار أن تصبح 4,420 دولاراً إذا قسّمنا الـ168 على سعر “صيرفة”. لكنّ المصرف حسم عمولة 4%، وأعطى العميل المبلغ ناقصاً 175 دولار التي تمثّل ربحاً صافياً للبنك لقاء تلك الوساطة التي يقوم بها بين المواطنين ومصرف لبنان.

أكثر من ذلك، تكشف مصادر “أساس” أنّ بعض الموظّفين في الفروع يقومون بتلك العمليات للزبائن من دون أن يحمّلوهم عناء الانتظار، لقاء مبلغ مقطوع (50$ أو 100$ حسب المبلغ)، مستخدمين حساب العميل، بعلمه وغيابه، لإتمام العملية، بل إنّ البعض الآخر من المصارف، خصوصاً تلك التي لا تأبه لشبهات تبييض الأموال، بات يقوم بتلك العمليات من دون العودة إلى المحاسبة “المؤتمتة” (من كلمة أوتوماتيك) بواسطة الكمبيوتر وبلا إيصالات ولا توقيعات (من برّا لبرّا). وهذا يفتح المجال واسعاً أمام الفوضى الإضافية وعمليات تبييض الأموال.

أرقام “صيرفة” المضخّمة

إذا عدنا إلى حجم التداول على المنصّة، الذي أعلنه مصرف لبنان في الأيام الثلاثة الماضية بعد عطلة رأس السنة، نكتشف أنّ التداول بلغ أكثر من 1 مليار دولار… And still counting. وهذا رقم كبير جداً مقارنة بالأرقام السابقة حين كان مصرف لبنان يترك “سقف صيرفة” بلا حدود. في ذلك الوقت كانت الأرقام في أقصاها تصل في اليوم الواحد إلى 120 أو 150 مليون لا أكثر، وكان سعر صرف الدولار ينخفض في “السوق السوداء” بنحو 10 آلاف دفعة واحدة أيضاً. لكن يبدو أنّ حجم التداول هذا هو عبارة عن دمج عمليات البيع والشراء معاً، وهذا ما يبرّر حجم تلك الأرقام الصادمة.

فما الذي يحصل اليوم؟

 

 

تُضخّ الدولارات في السوق، لكنّ سعر الصرف يواصل الارتفاع يومياً، فيما مصرف لبنان متمسّك بسعر 38 ألفاً على المنصّة.

فما الذي يضطرّه إلى تلك “العملية الخاسرة”؟

يفيد التفسير المنطقي لهذا الواقع أنّ الحاكم رياض سلامة لا يزال يتدخّل في السوق بخلاف كلّ الشائعات غير المسندة التي تتحدّث عن تهريب الدولارات إلى سوريا. لا يزال سلامة يشتري الدولارات التي يبيعها للمواطنين بخلاف المرّات السابقة. يومذاك كان يوقف الشراء من أجل البيع. وأمّا اليوم فيقوم بالأمرين معاً. ولو كانت نوايا “المركزي” تنصبّ على خفض سعر الصرف فقط، لَما أقدم على ذلك.

ثقب “صيرفة” الأسود

لكن يبدو أنّ لسلامة مآرب أخرى. فقد تحوّلت منصّة “صيرفة” من “وسيلة” فعّالة لخفض سعر صرف الدولار في “السوق السوداء” إلى “ثقب أسود”: يبلع الليرات من جهة، ثمّ يقذف الدولار من جهة أخرى في الوقت نفسه، وربّما مع فائض بسيط من الدولارات يستطيع أن يحتفظ به ويراكمه فوق احتياطاته من المليارات الـ10 التي يخبرنا عنها (لا أحد يعلم).

دُرّة هذا “الثقب الأسود” هو سعر المنصّة نفسها. رفع سعر منصة “صيرفة” من 31,200 ليرة إلى 38 ألفاً دفعة واحدة، كان بمنزلة “جائزة كبرى” لـ3 أطراف: الدولة، مصرف لبنان، والمصارف. ومن غير المستبعد أن يرتفع سعر “صيرفة” أكثر في الأيام المقبلة لفرض المزيد من التوازن في آليّة عمل ذاك الثقب.

كيف ذلك؟ وكيف باتت “صيرفة” جائزة كبرى لتلك الأطراف الثلاثة؟

استطاعت المنصّة بسعرها المستجدّ 38 ألفاً:

1- أن تزيد إيرادات الدولة بالليرة اللبنانية، من خلال ارتفاع فواتير الاتصالات والكهرباء وكلّ الرسوم المقوّمة بالدولار والمحسوبة على سعر المنصة، بمعدّل 6,800 ليرة لكلّ دولار واحد.

2- أن تراكم ملاءة المصارف بالدولار “الفريش”، من خلال نسبة الـ4% التي تتقاضاها على الإيداع والسحب، خصوصاً بعدما رفعت المصارف سقف الاستفادة من “صيرفة” للأفراد إلى 500 مليون في اليومين الماضيين (استعداداً لقوانين “هيكلة المصارف” و”الكابيتال كونترول” و”إعادة التوازن للنظام المالي”).

3- أن تخفّض حجم الدولارات التي يضخّها مصرف لبنان في السوق (سعر صرف أعلى يؤدّي إلى بيع دولارات أقلّ)، وربّما تزيد حجم احتياطاته من العملة الصعبة، مثلما ذكرنا، بواسطة تلك اللعبة “المضبوطة بإحكام” التي لا تُضطرّه إلّا إلى صرف مبالغ معقولة من الليرات يدفعها مباشرة لتمويل رواتب القطاع العام والمصاريف التشغيلية للإدارة والمحروقات للكهرباء… وغير ذلك.

بذلك يكون الجميع قد خرج من تلك اللعبة “كسبان وفرحان”:

– المصارف حصلت على العمولة (4%).

– العميل حصل على الهامش بين سعر السوق وسعر صيرفة.

– الصرّافون والمضاربون استفادوا من هامش الـ200 أو الـ300 أو حتى الـ500 ليرة فرقاً بين سعر السوق عند شراء الدولارت من المواطنين (في محلّه أو في الشارع أو حتى داخل المصرف)، وبين سعر بيعها مجدّداً لمصرف لبنان، الذي سيعود إلى ضخّها في السوق بعملية Cycling جديدة من أجل امتصاص الدولارات نفسها التي ضخّها في السوق عبر “صيرفة”.

أمّا تكلفة هذه “اللعبة” كلّها على مصرف لبنان فبخسة ما دامت بالليرات اللبنانية لا بالدولار، لأنّ كلّ ما هو بالليرة اللبنانية “مقدور عليه” (بين 4 و6 آلاف ليرة في كلّ دولار يخرج أو يدخل).

أمّا الفرق الذي يحصل عليه المواطن نتيجة خوض غمار تلك “اللعبة”، فمصيره أن يعود إلى خزائن “المركزي” أو خزائن الدولة يوماً ما، إن كان بواسطة فاتورة اشتراك بالدولار أو “تفويلة” بنزين للسيارة، أو عبر سلعة استهلاكية من هنا أو ضريبة أو رسم من هناك. “ما كلّو رايح” في لعبة تمرير الوقت.