المدن – عزة الحج حسن
وليست أزمة انهيار العملة المسؤولة الوحيدة عما وصل إليه حال قطاع الأدوية. وهو القطاع الأكثر تأثيراً في حياة المواطنين، لاسيما المرضى منهم. فمماطلة الجهات الرسمية، وعلى رأسها حكومة تصريف الأعمال، في اعتماد حلول بديلة عن آلية الدعم الحالية، وتقاعسها عن رسم خريطة واضحة لسوق الأدوية، يفجران أزمة الدواء ويشرعان السوق للأدوية المهربة والمزورة.
مماطلة وتقاذف مسؤوليات
مر أكثر من عام على الأزمة الاقتصادية والمالية. وحتى اليوم لم تقدم الحكومة على أي خطوة عملية على صعيد تفادي أزمة الدواء. فنحن ذاهبون بعد نحو شهر إلى فقدان سريع للأدوية، وإقفال قسري للصيدليات، في حال عدم توفر خطة بديلة، وفق تحذير نقيب الصيادلة غسان الأمين. فالخطة التي وضعهتا حكومة تصريف الأعمال، والقاضية بتوزيع الأدوية على 3 أبواب بحسب أهميتها وأسعارها، وترشيد الدعم على استيرادها، لم يتم العمل بها حتى اليوم. وبالتالي لا تزال حبراً على ورق، يقول الأمين في حديث إلى “المدن”. والحكومة غائبة عن السمع وسياسة المماطلة أوصلت قطاع الدواء إلى اسوأ السيناريوهات.
ولأن نسبة 93 في المئة من الفاتورة الدوائية في لبنان مستوردة من الخارج، وفي ظل أزمة شح الدولار، التي يواجهها مصرف لبنان، والتدهور الاقتصادي الحاصل حالياً، لا بد من وضع خطط سريعة للتعامل مع أزمة الدواء. ويدعو الأمين إلى اعتماد خطة بديلة لاستيراد الأدوية، كاستيراد الأدوية البديلة ذات الأسعار المتدنية، والتنسيق مع الجهات الضامنة لاعتماد وتغطية أدوية جديدة أقل كلفة.
المماطلة وتقاذف المسؤوليات يدفعان بقطاع الدواء إلى الهاوية، ويعرّضان حياة المرضى إلى الخطر. ومنذ أشهر تماطل حكومة تصريف الأعمال بمسألة رفع الدعم أو ترشيده، في انتظار تشكيل حكومة جديدة. وهي رمي ملف الدعم في سلة استحقاقاتها، تجنباّ لأي مواجهة مع المواطنين فيما لو اتُخذ قرار رفع الدعم حالياً. ونظراً لتأخر تشكيل الحكومة وتهرّب حكومة تصريف الأعمال من القيام بمهامها، تتجه الأدوية إلى النفاذ والصيدليات إلى الإقفال، يقول الأمين. أما في حال وصلنا إلى مرحلة استيراد الدواء، وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، فهذا يعني أن المرضى لن يتمكنوا من شراء الدواء، والمؤسسات الضامنة ستفلس قطعاً.
شح بالأدوية
كثيرة هي أصناف الادوية التي تغيب اليوم عن رفوف الصيدليات. وهناك أصناف من الأدوية تعنى بأمراض مزمنة كالكوليسترول والضغط والقلب والسكري والأعصاب وغيرها فُقدت كلياً من الصيدليات، ما دفع بالمرضى إلى التوجه إلى بدائل عنها. لكن البدائل، وفق العديد من الصيادلة، لا تتوفر للأدوية كلها. لذا يحذّر الأمين من أنه في حال الوصول إلى حالة الإقفال القسري، فالبدائل عن الأدوية المفقودة هي الدواء المهرب والمزور.
ويصر المعنيون في مصرف لبنان على أن دعم الأدوية المستوردة لم يتوقف حتى اللحظة. لكن مصرف لبنان يعمد في الواقع إلى توفير دعم الدواء “بالقطارة”. بمعنى أن الموافقات على استيراد شحنات الأدوية يحكمها التأخير من قبل مصرف لبنان، الأمر الذي يفسّر انقطاع الكثير من أصناف الأدوية.
شح الاستيراد والتوزيع
أما الشركات المستوردة للأدوية فتعمد إلى تقنين توزيع الأدوية، وبحسب أكثر من صاحب صيدلية فإن العديد من أصناف الأدوية لا يسلم منها وكلاء الشركات أكثر من علبة واحدة. وهذه كمية لا تكفي لسد حاجة يوم واحد. أما أسباب شح الأدوية الواضح، فمرده إلى أسباب عدة، وفق ما يوضح نقيب أصحاب الشركات المستوردة كريم جبارة في أكثر من تصريح. ويعود العامل الأول إلى تردد الشركات الأجنبية المصدّرة للأدوية في إرسال البضائع الى لبنان، بعد تزايد الحديث عن إفلاس الدولة وتعثر مصارف، خوفاً من العجز عن سداد الفواتير. وهذا إضافة إلى عامل أساسي يرتبط بقرار مصرف لبنان تغيير آلية الدعم وفرض الاستحصال على موافقات مسبقة، قبل تنفيذ معاملات الاستيراد. وهذا الأمر عرقل دخول العديد من شحنات الأدوية التي تم استيرادها قبل صدور قرار مصرف لبنان، في انتظار حصولها على الموافقات.
لم يُتخذ قرار رفع الدعم حتى اليوم. غير أن اعتماد سياسية اللا قرار والمماطلة في إدارة هذا الملف، تعقّد الأمور وتشيع الفوضى في السوق والقلق بين المواطنين، وتُنذر بعواقب وخيمة، خصوصاً في القطاعات التي تطال الصحة.