كتب سامي كليب
فيما تستمر الجماعةُ السياسية في لبنان بمشاهدة سفينة الوطن ” تغرق بلا موسيقى” وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي، يواصل الجيش اللبناني جهوده المُضنية للحصول على لقمة عيشه أولا، والاستعداد لكل الإحتمالات الأمنية والإجتماعية ثانيا ذلك أن إحتمالات الإنفجار قائمة في أي لحظة، فماذا تحقق حتى الآن؟ :
- واشنطن تتصدر الطليعة، فهي تكثّف مساعداتها المُباشرة أو عبر الطلب من حلفائها في المنطقة تقديم مساعدات للجيش اللبناني، بموازاة توسيع تعاونها العسكري معه والذي كان في آخر محطاته، التدريب المُشترك والواسع بين الجيوش الثلاثة اللبناني والأميركي والأردني في مناورات جرت تحت عنوان ” resolute union 2021 ” والتي إستمرت 12 يوما .
في هذه المناسبة قالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا : “إن هذا التمرين المشترك هو الأكبر مع الجيش اللبناني إذ ينفذ للمرة الأولى بين 3 جيوش” مُعلنة في المناسبة عن تقديم 120 مليون دولار أميركي للمؤسسة العسكرية إضافة إلى تقديم 3 قوارب بحرية، و 59 مليون دولار أميركي لدعم قدرات الجيش في حماية الحدود وضبطها”. وكان لافتا حضور مساعد قائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الأميركية هذه المناورات التي تُضاف الى سلسلة الخطوات الأميركية لتعزيز الدور الأميركي في لبنان أنطلاقا من التوسيع الكبير للسفارة، ووصولا الى الإهتمام بأدق تفاصيل المؤسسة العسكرية، مع تقدير خاص لقائد الجيش العماد جوزف عون.
هذا الإهتمام الأميركي له أسباب كثيرة، أولها طبعا عدم السماح بتوسيع أدوار دولية أخرى في لبنان على حساب الدور الأميركي، خصوصا من قبل الصين وروسيا، وثانيها إعتبار الجيش المؤسسة الوحيدة الباقية لمنع غرق لبنان في الفوضى مع ما يتطلبه ذلك من ضبط الحدود الشمالية والجنوبية، وثالثها تعزيز العلاقات الأميركية والغربية مع هذه المؤسسة رغم عقيدتها المستمرة في إعتبار اسرائيل عدوا، ذلك أن لبنان يبقى أساسيا في المعادلات الإقليمية والدولية قياسا مثلا الى سوريا التي تلعب فيها روسيا الدور الأساس.
- فرنسا من جانبها، وبعد أن إكتشف رئيسُها إيمانويل ماكرون أن الجماعة السياسية اللبناني ميؤوس منها، وأن المجتمع المدني أضعف من أن يواجهها بسبب تشرذمه مقابل صلابة الأحزاب والزعامات التقليدية، فتحت ميزانية خاصة للجيش اللبناني، وقرّرت وفق مصادر فرنسية موثوقة، منح كل جندي لبناني 100 دولار شهريا.
- الصين أيضا دخلت على خط المُساعدات، لكن طبيعة العلاقات التاريخية للجيش اللبناني حالت دون توسيع نطاق التقديمات العسكرية الصينية، واستعيض مثلا عن الدبابات الصينية بمساعدات أخرى لا تثير على الأرجح حساسية واشنطن.
- عربيا، وبعد المساعدات المتفرقة التي تلقّاها الجيش اللبناني خصوصا من العراق ومصر، يستعد قائدة الجيش العماد جوزف عون لجولة الى دول عربية، ويبدو أنها واعدة خصوصا الإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر والأردن. لكن اللافت أن محاولات فتح الأبواب السعودية للجيش لم تنجح حتى الآن. معروف أن الرياض لا تريد تقديم أي مساعدة للبنان بذريعة أن البلد تحت هيمنة حزب الله وأن اي مساعدة قد يفيد منها هو، وثانيا بعد القبض على شحنة مخدرات، هي ترى أن الحدود أيضا غير منضبطة وبالتالي فمن الأفضل عدم تقديم أي مساعدة في الوقت الراهن .
يبدو من خلال ما تقدم، وهو غيضٌ من فيض، ما تقوم به قيادة الجيش لانقاذ المؤسسة، أن العماد جوزف عون الذي ألقى قبل فترة قصيرة خطابا تحذيريا مُباشرا للجماعة السياسية وطرح عليها السؤال التالي : “إلى أين أنتم ذاهبون؟”، يُدرك أن ثمة أطرافا داخلية تُريد ضرب المؤسسة أو ترويضها لخدمة مصالح سياسية فئوية ، وأيقن أن هذه الجماعة التي تركت الوطن يغرق، لن تسأل عن جوع الجندي وفقره، لذلك قالها صراحة :” لولا هذه المساعدات ( الخارجية) لكان الوضع أسوأ بكثير، ومهما كان حجمها فالجيش يقبلها بحسب الأصول للحفاظ على الجهوزية العملانية”
ثمة من يرى أن ما يقوم به العماد عون يُعزّز كثيرا فرصه ليصبح المُرشح الأوفر حظا لرئاسة الجمهورية. هذا حقّه طبعا لسببين أولهما لأن شروط الرئاسة تنطبق عليه لجهة الطائفة والمناقبية والسيرة الحسنة، وثانيا لأن المؤسسة العسكرية ما زالت الوحيدة القادرة على جمع القسم الأكبر من اللبنانيين حولها قافزة فوق الطائف والمذاهب والإنقسامات الحادة.
مع ذلك يحرص عون على تقديم أولويات أخرى في تبرير جهوده، وأبرزها أن المؤسسة العسكرية تماما كما الشعب تعاني الفقر ويراد تجويعها وهو لن يقبل بذلك، ثم أن هذه المؤسسة التي تحرّكت بدقة وفي حقل ألغام مذ انتفض الشارع ضد الجماعة السياسية، تريد الحفاظ على الدول ومؤسساتها من جهة وحماية حرية التعبير من جهة ثانية.
في هذا الإطار قالت قيادة الجيش مؤخرا ردا على تسريبات إعلامية : ” إن كل ما تقوم به خصوصاً في هذه المرحلة ينطلق من أمرين أساسيين الأول هو حماية الاستقرار الأمني في البلاد، والثاني القيام بكل ما من شأنه تأمين المساعدات للجيش لتمكينه من أداء مهامه المتشعبة”.
هل يستعدّ الجيش اللبناني لدور أكبر ؟ ربما ، لما لا ، فهو موثوق ومحبوب من قبل الشعب أكثر من أي طرف آخر،والعلاقات الدولية والعربية لقائده تعزّزت كثيرا في السنوات الماضية، والناس يئسوا من الجماعة السياسية التي دمّرت الوطن.